وفي 5 يناير سنة 1910م انتخبه مجلس إدارة جمعية الإسعاف بمدينة القاهرة رئيسا لتلك الجمعية بإجماع الآراء، فقام برئاستها خير قيام واقترح إنشاء صيدلية كبرى في مركز الجمعية؛ لتوفير الإسعافات اللازمة وفعلا أنشئت بمساعدته تلك الصيدلية الفائقة.
وفي 6 فبراير سنة 1915 خلف أخاه السلطان في رئاسة شركة السكة الحديدية البلجيكية بالوجه البحري، فنالت بهمته أكبر، نجاح ثم في 30 أكتوبر من تلك السنة أسند إليه أخوه المرحوم السلطان حسين أيضا رئاسة الجمعية الجغرافية السلطانية، وهي التي كان قد وضع أساسها والدهما المرحوم الخديوي إسماعيل في سنة 1875م، فتداركها الأمير بحسن عنايته وبعث فيها روح الحياة بعد أن كادت تكون في خبر كان، وهو الذي وضع لهذه الجمعية اللائحة الداخلية الجديدة، التي صدر بها الأمر العالي في 11 أغسطس 1917، واعتنى بتنسيق مكتبتها ومتحفها المحتوي على نفائس الآثار.
وفي 2 مارس 1916 رأس جمعية الهلال الأحمر في مصر فلقيت منه العناية التامة والهمة العالية، التي رفعت شأنها وأجزلت فوائدها ومنافعها.
وانتخب عضو شرف في المجمع العلمي المصري، فكان من أعماله المبرورة أنه وضع جائزة مالية لمن يؤلف أحسن تاريخ لحياة والده الخديوي إسماعيل وأعماله الباهرة، وقصد بذلك إيجاد المنافسة في إحياء العلم والتاريخ.
وهو يحسن التكلم بلغات عديدة وله شهرة واسعة في جميع أنحاء المعمورة، وله المقام الرفيع في أوربا التي زار معظم عواصمها، وطاف أقطارها وتعرف بكثير من ملوكها وأمرائها، حتى نال عندهم المنزلة السامية والمودة والصداقة مع الملك جورج الخامس ملك بريطانيا العظمى، والملك فيكتور عمانوئيل الثالث ملك إيطاليا، وجناب رئيس الجمهورية الفرنساوية وملوك إسبانيا ورومانيا واليونان وأسوج والبلجيك وسربيا، وغيرهم من العلماء والعظماء في أوربا وأقطاب السياسة المشهورين، حتى رشحته الدول الأوربية لأن يكون ملكا لألبانيا عند خروجها من حكم تركيا سنة 1912، كما فكروا أن يسندوا إليه إمارة طرابلس الغرب.
وقد أثنت عليه الصحافة الأوربية وقتئذ حتى قالت جريدة الطان: إنه الرجل الذي عرف أن يصون علاقته السياسية، ويحافظ على صداقته مجردة من كل شائبة مع الدولتين المحاربتين يومئذ وخلاصة القول: إنه محب للعلم والعلماء وحريص على المصالح الخيرية والأعمال النافعة، وله اليد الطولي في عمل البر والخير حتى إنه كان يرأس أكثر من اثنتي عشرة جمعية بين علمية وخيرية واقتصادية، فكان له من غرر أياديه ما وطد دعائمها وضمن لها بقاءها، وهو الذي وقف حياته على تعضيد مصالح الأمة المصرية وإحياء مرافقها الحيوية ومعاهدها العلمية، وترقية الزراعة والصناعة والتجارة، وتعضيد موارد الثروة والسعادة في البلاد.
جلوسه على عرش مصر
فلا عجب إذا ابتهجت الأمة المصرية جميعها بجلوسه سلطانا على عرش أجداده الفخام، في يوم الخميس المبارك 24 ذي الحجة 1335ه الموافق 11 من شهر أكتوبر 1917م، وابتهجت الثغور، وانشرحت الصدور وعم الهناء والسرور، وأقبلت الوفود من جميع الجهات ساعية إلى سلطانها الجديد مقدمة له فروض الإخلاص والولاء، وكان جلالته وقتئذ يناهز الخمسين من عمره، وهو سن الكمال الذي يجمع بين عزيمة الشباب وحزم الشيوخ.
ما نالته مصر في عهد جلالته من الحكم النيابي
علم مما تقدم أن جلالة الملك فؤاد الأول الجالس على عشر مصر ملك حاد الذهن، ذكي الفؤاد وأنه تربى في وسط له شأن عظيم من الرقي والرفعة، وأنه اختلط بطبقات مختلفة من ذوي الأفكار السامية والمدارك الواسعة، وعاشر كثيرا من أهل العلم ورجال السياسة وأصحاب الرأي فاستفاد خبرة بالحياة ومعلومات واسعة بشؤون عصره؛ لأنه أتيح له من التجارب والخبرة ما لم يتح لسواه من أصحاب التيجان، فإنه قد تتبع الحركة الفكرية والسياسية في العالم، فأدرك أن الأفكار العصرية والمبادئ الجديدة قد بلغت منتهاها، وتشرب بالروح الدستورية من نفسه الشريفة، واستمد من تلك الروح أعظم باعث له على الأخذ بناصر أمته ونجاح شؤونها، ووجد من نزعته الوطنية أعظم عاصم له من الزلل، فوضع لها أصلح نظام وحقق لها أمانيها، ولم يرض أن تكون بلاده متأخرة عن اللحاق بغيرها من الأمم الراقية؛ لأن ما فطر عليه من حب لبلاده، وإسعاد أمته، ونهوض شعبه جعل من أكبر أمانيه أن تنال مصر في عصره السعيد حظا وافرا من التقدم والارتقاء، فتوج أعماله الجليلة بأثر جميل سجله التاريخ، وأبقى ذكره خالدا على ممر الأجيال، وتوالي العصور بعد أن ارتقى نظام الحكومة المصرية، وصارت دولة مستقلة ذات سيادة عظمى وصار السلطان أحمد فؤاد الأول ملكا على مصر يلقب بصاحب الجلالة.
Неизвестная страница