وهذا هو النص التركي.
ومن مواقفه الحربية المجيدة أيضا مهاجمته لدير أركازي بجزيرة كريت ذلك الدير المنيع، بل الحصن الحصين وما أتاه من ضروب المهارة في تسلق الجدران بحركة عجيبة، وسرعة مدهشة حتى ظهر فجأة فوقه، فكان هو الأول في ركز العلم المصري على رأسه، فكان في عمله هذا خير قدوة لجنوده البواسل الذين تتبعوه ، مما أدهش العدو فلم يحسب للموت حسابا ولا للحياة قيمة شأن الجندي البطل، وقد رفع الفريق إسماعيل سليم باشا ناظر الجهادية المصرية في ذاك الوقت، الذي كان مرافقا لهذه الحملة تقريرا لسمو الخديوي إسماعيل باشا، أتى فيه على وصف هذه المعركة وما قام به صاحب الترجمة من الإقدام، وهاك نصه العربي مترجما عن التركية:
12 رجب سنة 83
تحركت في الصباح خمس أورط من جنودنا مع طابور ونصف من جنود الأستانة، فوصلت إلى القرى الثلاث الآنف ذكرها، وبينما كانت يفرق بعضها عن بعض، وتوزع على المنازل أبلغنا مصطفى نائلي باشا أن الجنود، التي سيقت لحصار الكنيسة وأحاطت بها ليست بكافية لمواصلة الحصار وصد عادية الأشقياء الذين يتواردون للإمداد من الروابي والأطراف، وأن من الواجب تعزيز قوة الحصار بأورطتين ومدفعين يصلان على جناح السرعة، فهيأنا في الحالة أورطة من لواء البيادة السابع بقيادة وكيل اللواء راشد حسني باشا، وأورطة من اللواء الثالث بقيادة الميرلاي إسماعيل كامل بك، ومع كل أورطة مدفع واحد، وسارت الأورطتان فوصلتا قرب الساعة الحادية عشرة إلى المكان المذكور، وتحققنا أن الحالة وفق ما وصفت، ورأينا الفريقين يتبادلان إطلاق الرصاص فنصبنا المدفعين اللذين جئنا بهما، ووجهنا فوهتهما صوب باب استحكامات الكنيسة، ثم أطلقنا عليها عدة قنابل وكان الظلام قد بدأ يرخي ذيوله، فحال دون مواصلة الضرب وانقطع إطلاق النار من الفريقين.
وقد أرسلنا تحت جناح الظلام كلا من المهندس الحربي عبد القادر فهمي أفندي وعلي أفندي أحد ياوراننا؛ لدرس حالة الاستحكامات المحيطة بالكنيسة، والمحال الأوجب أن تصب عليها النيران، ووزعت الجنود على النقط وقد تمت في ساعة متأخرة من الليل عملية إنشاء المتاريس، طبقا لما أشار به المومأ إليهما فنقل الأرناءوط الذين جاءوا هذه الجهات من قبل إلى جانب العساكر الشاهانية المعسكرة في الجناح الأيمن، الذي يفصله واد سحيق وكانت الأمطار تهطل بغزارة على الجنود، الذين قضوا سحابة ليلهم في المتاريس إلى أن طلع الصباح.
13 رجب سنة 1983 يوم الأربعاء
وصل حضرة مصطفى نائلي باشا قرب المساء مع أورطة من الجنود ، وبات تلك الليلة قادما إلى محل الواقعة من قرية ميس، وقد بدأ الفريقان باكرا بالقتال، فبعد أن ضربت المدافع نحو ساعة القلعة الحاكمة على طول الخط والمحصنة أحسن تحصين، وهي ذات منافذ مطلة على الأطراف مساعدة على ضرب جميع الجهات، تقدمت عدة بلوكات من الجند الشاهاني مقتربة من القلعة.
ولما رأينا ذلك أخذ وكيل اللواء راشد بك أربعة بلوكات، كما أخذ الميرالاي إسماعيل كامل بك مثلها، وسار في الحال نحو القلعة وعندما قربا منها شاهد راشد بك في الجانب البحري من الدير زهاء 400 من الأرناءوط والباشبوزق، قد أعجزهم رصاص القلعة فسد فراغها «الكوى الضيقة التي يطلق منها النار»، وأضرم النار بالبناء المتصل بالقلعة فالتهمت كمية البارود الموجودة داخلها، وأحس الأشقياء المحصورون بالضيق، فرمى ثلاثة منهم بأنفسهم من شاهق وهم يحاولون النجاة من إحدى الثغرات المفتوحة من جراء ضرب المدافع، وكانت روحهم قد بلغت التراقي من الدخان المتصاعد في القلعة، فتلقى القائد المشار إليه أحدهم بسيفه كما قتل الاثنين الآخرين.
ورمى عدة أشخاص آخرين من الأشقياء أنفسهم إلى خارج القلعة فأعدموا، وهلك غيرهم في الطابق الأسفل تحت تأثير النار وكانوا 14 شخصا.
وقد صوب لطيف أفندي ببكباشي المدفعية مدافعه على الاستحكامات، وبعد أن أطلق نحو 40-50 قنبلة كسر باب الدير المشهور بمتانته العجيبة وضخامته فسقط مع توابعه إلى الأرض، وأطلق مثلها على جهاته الأخرى فخرق الجانب الغربي من السور، وهنا رؤي أن عناد المدفعية يوشك أن ينفذ، فعين من ياوراننا البيكباشي علي أفندي لإحضار ستة صناديق من ذخيرتنا في قرية ميس، وقد أتى بها في أسرع وقت، وبذلك لم ينقطع إطلاق القنابل، بل ظلت مستمرة، وكان الأشقياء يطلقون بنادقهم بتواصل، ولم يجرأ أحد على الهجوم إلى أن بلغت الساعة التاسعة، فأرسلنا أحد الياوران خلوصي أفندي إلى راشد بك؛ ليصدر أمره بالهجوم، فوجد أنه على أتم استعداد، وما كاد يعلن من قبلنا نفير الهجوم حتى انقض راشد بك بمن معه وهو في الطليعة على باب استحكام الدير، فبلغه واجتازه إلى الداخل حيث رأى سدا آخر أقيم هنالك، فتجاوزه واقترب من حائط غرفة في جانب باب الاستحكام هدمتها القنابل، وكان خلفه مصطفى خلوصي أفندي حامل لواء الألاي، فتناول اللواء من يده وصعد إلى أعلى القلعة، حيث فتح العلم وركزه ثم أخذ الضباط والجنود الذين كانوا وراءه، فصعدوا الواحد بعد الآخر وكان عددهم غير قليل.
Неизвестная страница