وقد برهن دولة رشدي باشا على غيرته الوطنية السامية، بأنه أبي أن يتخلى عن رئاسة الحكومة، عندما حدث هذا الانقلاب لا عن رغبة في وجاهة المنصب؛ لأنه وجيه بعلمه وحسبه وفضله، ولا طمعا بالراتب؛ لأنه في سعة من العيش وعلى جانب كبير من الثروة، ولكنه رضي بمنصبه عملا بالواجب الوطني، وقياما بما تتطلبه مصر من ابنها البكر في الشدائد ومعظمات الأمور، وظل ساهرا على مصلحة البلاد بكل همة وذمة وأمانة ونشاط إلى أن استقالت الوزارة.
عضويته بالوفد الرسمي المصري
ولما تقلبت القضية المصرية في السنتين الماضيتين لهذا التاريخ إلى أدوار مختلفة في عهد جلالة الملك فؤاد الأول، عين جلالته وفدا رسميا برئاسة صاحب الدولة عدلي يكن باشا، وعضوية حضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا صاحب هذه الترجمة، ومعالي إسماعيل صدقي باشا ومحمد شفيق باشا وأحمد طلعت باشا، ويوسف سليمان باشا وغيرهم من الماليين والمهندسين المصريين بصفة خبراء ومستشارين؛ ليتولى هذا الوفد الرسمي مفاوضة الحكومة الإنجليزية بغية الوصول إلى الاتفاق المنشود في مصير مصر، غير أنه بعد الأخذ والرد وبالرغم من المساعي الكثيرة التي بذلت، والمناضلات والمجادلات التي حصلت والتي دلت على حنكة أعضاء هذا الوفد السياسية وخبرته الكبرى، أسفر كل ذلك عن عدم قبول الإنجليز مطالبه ، والإذعان إلى قبول مشروع اللورد كرزون، فلم يجد الوفد الرسمي حيال هذا التعنت سوى رفض قبول أي مطلب من مطالب اللورد المذكور، وقفل عائدا إلى مصر فوصلها في شهر ديسمبر سنة 1921م، وعقب حضوره قدم دولة رئيسه استقالته المعروفة، وبقيت البلاد بلا وزارة حتى أول مارس سنة 1922، حيث دعي عبد الخالق ثروت باشا لتأليفها.
وقد برهن صاحب الترجمة وحضرات زملائه الكرام على شمم عال، وتمسك شديد بحقوق البلاد كما رفعوا بعملهم هذا هامة الوطن في أعين الأمم الغربية، وهذا دليل ساطع وبرهان قاطع يضاف إلى البراهين الكثيرة المعززة لصدق وطنية دولة حسين رشدي باشا.
ثقة مليك البلاد بكفاءته
ولعظم ثقة جلالة الملك فؤاد به وبمقدرته وكفاءته أسند إليه رئاسة سن قانون الدستور للبرلمان المصري، بعد أن رفعت الأحكام العرفية عن البلاد، فقام بهذه المهمة الهامة خير قيام باشتراكه مع حضرة صاحب المعالي أحمد حشمت باشا، الذي عين نائبا وقتئذ لدولة الرئيس، فجاء هذا القانون بعد إدخال التعديلات القانونية اللازمة له بمعونة القائمين بوضعه وافيا بالمرام، وسيكون هذا القانون معمولا به بعد نشره بالوقائع الرسمية، التي نشرته بحذافيره، ويرجع الفضل كل الفضل لحضرة صاحب الدولة حسين رشدي باشا، الذي قام بأداء هذا العمل الهام رغم ضعفه وانحراف صحته وقتذاك.
الأوسمة والنياشين التي حازها
ودولته حائز من الأوسمة أسماها وأعلاها، فنال المجيدي الأول والعثماني الأول، ثم أنعم عليه المغفور له السلطان حسين كامل بالوشاح الأكبر من نشان محمد علي، ووجه إليه رتبة الرئاسة مع لقب صاحب الدولة كما جاءته الأوسمة والنياشين من أكبر الدولة الأوربية، فأنعمت عليه الجمهورية الفرنساوية بالليجون دونور من درجة جيراند أوفيسيه، وأنعمت عليه بريطانيا العظمى بنشان القديس ميخائيل وجورج مع لقب سير، وأنعمت عليه الدولة الإيطالية بالوشاح الأكبر من نشان تاج إيطاليا، وكذلك نال الوشاح الأكبر من تاج بروسيا، ووشاحا أكبر من دولة القياصرة في روسيا وغيرها.
وقد خدم دولته الجمعية الخيرية الإسلامية خدما جلى عندما كان بين أعضائها العاملين، وله أيضا في كل مشروع خيري اليد الكبرى، وليس بين المصريين من ينكر على دولة الرئيس الجليل فوزه بما أرضى به الله تعالى ومواطنيه حتى امتلك المشاعر والقلوب.
ولما رأت الحكومة المصرية أن في تعيينه عضوا لمجلس شيوخها فوائد عظيمة لا يستهان بها، فقد عينه جلالة مولانا المليك المعظم عضوا فيه بمرسوم ملكي، صدر بتاريخ 4 مارس سنة 1925م، وقد أحسنت الحكومة صنعا بتعيينه؛ لأنه كفء ووطني صميم لتنتفع البلاد بمواهبه السامية.
Неизвестная страница