بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي
بسم الله الذي باسمه تفتتح الأوائل، والحمد الله الذي بحمده تنجح الوسائل، وصلى الله على محمد نبيه المنتخب من أشرف البطون والفصائل، وأكرم العمائر والقبائل، وعلى آله وصحبه الداعين إلى المكارم والفضائل.
هذا كتاب سفر السعادة وسفير الإفادة يتحفك بالمعاني العجيبة، ويقفك على الأسرار الغامضة الغريبة، ويسلك بك إلى مرادك المسالك القريبة، ويجلو عليك من الخرائد الحسان
1 / 5
أوجها، ويدني إليك من الفوائد شموسا طالما سما بها أوجها؛ فاملأ وعاءك من درره، وأخلص دعاءك لمحرره، فقد كفاك مؤونة التعب، وحماك حزونة الدأب، وأراح من النصب، وأراح عن الوصب، وأزاح عن الوصب، وأتى بما لا يوجد في كتاب، ولا يورد عليه في منهل غير مناهله العذاب، نفع الله به المسلمين المذعنين لأهل الإفادة، المسلمين الذين ﴿لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين﴾ = شرحت فيه معاني الأمثلة ومبانيها المشكلة، وأودعته ما استخرجته من ذخائر القدماء [١/ب] وتناظر العلماء، وختمته بأغرب نظم وأسناه، فيما اتفق لفظه واختلف معناه، وأضفت إلى الأبنية ألفاظا مستطرفة واقعة أحسن المواقع عند أهل المعرفة، ورتبت الأبنية على الحروف مستعينا بالله المنان الرؤوف.
1 / 6
باب الهمزة
الله، جل الله وعز وعلا: في هذا الاسم العظيم أقوال:
الأول: قول سيبويه، وقد رواه عن الخليل: إن أصله (إله) مثل كتاب، ثم دخلت الألف واللام عليه، فقالوا: (الإله)، ثم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام، ثم ادغموا اللام في اللام فقالوا: الله، تبارك الله وعلا.
قال: ومثل هذا قولهم: (أناس) ثم أدخلوا الألف واللام، فقالوا: (الأناس) ثم قالوا: (الناس).
1 / 7
قال: وقد يجيء على الأصل، قال:
إن المنايا يطلعـ .... ـن على الأناس الآمنينا
قال الزجاج: (فمذهب سيبويه في الألف واللام كأنهما عوض من الهمزة المحذوفة، وقد صارتا كأحد حروف الاسم لا تفارقانه من الهمزة المحذوفة، وقد صارتا كأحد حروف الاسم لا تفارقانه فلا يجوز حذفهما منه؛ لأنه مباين اسمه لسائر الأسماء، وهو منفرد به ﷿، لا يشاركه في هذا الاسم غيره).
وقال الجوهري: سمعت أبا علي النحوي يقول: إن الألف واللام عوض من الهمزة. قال: ويدل على ذلك استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء، وذلك قولهم: (فألله لتفعلن) و(يا ألله اغفر لي). ألا ترى أنها لو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت
1 / 8
في غير هذا الاسم؟ [٢/ ١].
قال: ولا يجوز أيضا أن يكون للزوم الحرف؛ لأن ذلك يوجب أن تقطع الهمزة في (الذي) و(التي)، ولا يجوز أيضا أن تكون لأنها همزة مفتوحة وإن كانت موصولة، كما لم يجز في (ايمن الله) و(ايم الله) التي هي همزة وصل؛ فإنها مفتوحة.
قال: ولا يجوز أن يكون ذلك لكثرة الاستعمال؛ لأن ذلك يوجب أن تقطع الهمزة في غير هذا مما يكثر استعمالهم له؛ فعلمنا أن ذلك لمعنى اختصت به، ولا شيء أولى بذلك المعنى من أن يكون للعوض من الحرف المحذوف الذي هو الفاء).
وقال غيره مؤيدا لقول سيبويه: (أصله (إله)، وهو مشتق
1 / 9
من أله إلى الرجل يأله إليه: إذا فزع إليه من شر نزل به، فألهه أي: أجاره وآمنه، فسمي إلها، كما سمي الرجل إماما: إذا أم الناس فائتموا به، وكما سمي الثوب رداء ولحافا: إذا ارتدي به والتحف به؛ ثم إنه لما كان اسما لعظيم ﴿ليس كمثله شيء﴾ أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو الألف واللام؛ لأنهم أفردوه بهذا الاسم دون غيره، فقالوا: (الإله)، واستثقلوا الهمزة في كلام لكثرة استعمالهم إياها- وللهمزة في وسط الكلمة ضغطة شديدة- فحذفوها، فصار الاسم كما نزل به القرآن).
القول الثاني: قالوا: أصله (لاه) على وزن فعل، مثل ضرب. وإلى هذا القول [٢/ب] ذهب أبو العباس محمد، قال: ثم دخلت عليه الألف واللام تعظيما لله ﷿، وإبانة له عن كل مخلوق، فهو اسم وإن كان فيه معنى فعل.
قال: ويؤيد هذا قول ابن عباس- ﵀: هو الله ذو
1 / 10
الألوهية يألهه الخلف. وقرأ ابن عباس: (ويذرك وإلاهتك) أي: وعبادتك؛ لأنهم كانوا يعبدون فرعون.
قال أبو العباس محمد: فهو (لاه) على وزن فعل، وأصله: (لوه) أو (ليه)، ثم أدخل الألف واللام.
قال: ولو كان كما ذكر سيبويه أن أصله (إله) لكان قد حذف فاء الفعل وعينه، قال: لأنه تحذف همزة (إله)، وهي فاء الفعل، ثم تذهب اللام إذا أدخل الألف واللام. قال: ولم نر شيئا تحذف فاؤه وعينه. وليس كما قال؛ فإن عينه باقية لم تحذف.
1 / 11
القول الثالث: جوز بعضهم أن يكون أصله (ولاه)، فأبدلت الواو همزة، فقيل، إله، كما قالوا: (إسادة) في (وسادة)؛ واشتق من الوله؛ لأن قلوب العباد توله إليه، كقوله ﷿: ﴿ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون﴾. وكان القياس أن يقال: (مولوه) كما يقال معبود، إلا أنهم خالفوا به ذلك البناء ليكون اسما علما، فقالوا: إله، كما قالوا للمكتوب: كتاب، وللمحسوب: حساب.
القول الرابع: قال آخرون: أصله من (أله يأله): إذا تحير؛ لأن العقول تأله عند التفكر [٣/ا] في جلاله، أي تتحير.
الخامس: قال بعض اللغويين: أله يأله إلاهة، بمعنى: عبد يعبد عبادة، والتأله: التعبد؛ وأنشد قول رؤبة:
1 / 12
لله در الغانيات المده
سبحن واسترجعن من تألهي
أي: من تعبدي. قال: فمعنى الإله: المعبود، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود إلا الله، و(إلا) ههنا بمعنى (غير) لا بمعنى الاستثناء؛ لأن الاستثناء ينقسم إلى قسمين: إلى جنس المستثنى، وإلى غير جنسه، ومن توهم الأمرين في الله ﷿ فقد أبطل.
السادس: قال أبو علي: من قال: إن إلاها مأخوذ من توله العباد فقد أخطأ؛ لأن قولهم: (تأله) يدل على أن الهمزة فاء الكلمة.
السابع: زعم بعضهم أن الأصل فيه (الهاء) وهي الهاء التي تكون كناية عن الغائب. قال: وذلك أنهم أثبتوه موجودا في نظر عقولهم، وأشاروا إليه بـ (هاء) الكناية، ثم زيدت فيه لام الملك؛ إذا علموا أنه خالق الأشياء ومالكها، فصار (له) ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما، وفخموه
1 / 13
توكيدا. ومنهم من أجره على الأصل في ترك التفخيم؛ كقول الشاعر:
أقبل سيل جاء من عند الله
يحرد حرد الجنة المغلة
فأما هذا القول وقول سيبويه وقول المبرد فهو كلام في اسم الله ﷿، وباقي الأقوال إنما هو كلام في قولهم: إله. والقول الخامس لا يعد قولا؛ لأن قولهم: أله يأله [٣/ب] إلاهة إنما هو مأخوذ من (الإله) وهو الذي أراد رؤية بقوله: (من تألهي)، أي من تعبدي الإله. و(المده) جمع مادة، والماده والمادح واحد.
والقول الثامن: قال الخليل، في غير رواية سيبويه عنه: هو
1 / 14
علم، اسم غير مشتق، ولا يجوز حذف الألف واللام عنه، كما يجوز من الرحمن والرحيم. وإلى هذا القول ذهب جماعة من أهل العربية، وجماعة من الفقهاء منهم: الشافعي- ﵀ وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن؛ قالوا: هو اسم علم غير مشتق من شيء.
وقال أبو بكر بن دريد: (فأما اشتقاق اسم الله ﷿ فقد أقدم قوم على تفسيره، ولا أحب أن أقول فيه شيئا). وهذا الذي حكيناه عن الفقهاء ومن وافقهم هو الذي يعول عليه ويجب المصير إليه؛ لأن ما تقدم من الأقوال ظن وتخمين لا دليل عليه. ألا تراهم يقولون: هو كذا، بل هو كذا؟ ثم إن سيبويه قال غير القول الأول، فأجاز أن يكون أصله (لاه).
قلت: وليس قوله الأول فيه كقول العرب في النجم؛ لأن ذلك معلوم فيه الحالان، وليست الحال الأولى
1 / 15
التي ادعاها سيبويه في اسم الله ﷿ بمعلومة ولا يعرف ذلك، ولا يقوم عليه دليل. وليس ما قاله سيبويه في (الناس) مما يوافق هذا الاسم العظيم؛ لأن (الناس) و(الأناس) بمعنى واحد، وليس الله و(الإله) بمعنى واحد؛ لأن الله ﷿ علم لا يراد به ما يراد بالإله. [٤/آ].
*أحمد: ﷺ. هو مأخوذ من الحمد، كما أخذ من الحمرة أحمر، ومن الصفرة أصفر. وأحمد أبلغ من محمد، كما أن أحمر وأصغر أبلغ من محمر ومصفر؛ لأنه في أحمر وأصفر ألزم. وليس (أحمد) بمنقول من الفعل المضارع، ولا هو أفعل التفضيل، إنما مثال هذا أن يقال لك: ابن من كرم أفعل، فتقول: أكرم، ومن هذا الله أكبر؛ ومنه قول زهير:
1 / 16
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم .... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
و(محمد) أيضا مأخوذ من الحمد.
وقيل لعبد المطلب: بم أسميت ابنك؟ فقال: بمحمد، فقالوا: ما هذا من أسماء آبائك!! فقال: أردت أن يحمد في السموات وفي الأرض.
والهمزة في (أحمد) زائدة لأمرين: أحدهما: الاشتقاق. والثاني: أنها أول ومعها ثلاثة أحرف أصول، ولا تكون كذلك إلا زائدة. و(محمد) مفعل كـ (مكرم). ويقال: كل من تكاملت محاسنه ومناقبه وبلغ النهاية في الحمد فهو محمد، قال الأعشى:
إليك- أبيت اللعن- كان كلالها .... إلى الماجد الفرع الجواد المحمد
*آدم: ﷺ: اسم، علم لا ينصرف لوزن
1 / 17
الفعل والعلمية، وهو عربي باتفاق.
وقال ابن عباس- ﵀: هو مأخوذ من أديم الأرض، وهو وجهها؛ لأنه مخلوق منها، قال الأعشى:
يوما تراها كشبه أردية الـ .... ـعصب ويوما أديمها نغلا
وقيل: هو مأخوذ من خلط الشيء بالشيء؛ لأنه مخلوق من ماء وطين. ويقال: أدمتك بأهلي، أي: خلطتك بهم، وبين فلان وفلان أدمة، أي: خلطة وعشرة.
وفي الحديث: (إذا خطب الرجل المرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وكفيها فإن ذلك أحرى [٤/ب] أن يؤدم بينهما)
1 / 18
وقيل: مأخوذ من الأدمة في اللون. وأنكر الزمخشري ما ذكرناه، وأن يكون على أفعل، وقال: (اشتقاقهم (آدم) من الأدمة ومن أديم الأرض نحو اشتقاقهم (يعقوب) من (العقب) و(إدريس) من (الدرس) و(إبليس) من (الإبلاس)؛ وما (آدم) إلا اسم أعجمي، وأقرب أمره أن يكون على (فاعل) كازر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك). والذي قاله حسن وهو أشبه مما تقدم.
وأما (إسرافيل) وأسماء الأنبياء- ﵈ نحو: (إدريس) و(إبراهيم) و(إسماعيل) و(إسحاق) و(إسرائل) و(أيوب) فكلها
1 / 19
أعجمية.
و(إبراهيم): اسم قديم، وقد تكلمت به العرب على وجوه: قالوا: (إبراهيم)، وهو المشهور، و(إبراهام)، وقد قرئ به، و(إبراهم)، على حذف الياء، و(إبرهم). ويروى أن عبد المطلب قال:
عذت بما عاذ به إبراهم .... مستقبل القبلة وهو قائم
وقال أيضا:
نحن آل الله في كعبه .... لم يزل ذا على عهد ابرهم
1 / 20
ويقال: (إسماعيل) و(إسماعين).
و(إسحاق) وافق من العربي مصدر: أسحقه إسحاقا. ويقال: (إسرال) مثل (ميكال) و(إسرائيل) و(إسرائين) قال أمية:
لا أرى من يعينني في حياتي .... غير نفسي إلا بني إسرال
قال أبو علي: والقياس في همزة (أيوب) ألا تكون زائدة؛ لأنه لا يخلو أن يكون (فيعولا) أو (فعولا)، فإن قدرناه (فيعولا) كان قياسه- لو كان عربيا- أن يكون من الأوب مثل (قيوم) وإن قدرته (فعولا) كان مثل سفود وكلوب، وإن لم يعلم في الأمثلة مثل هذا؛ لأنه لا ينكر أن يجيء العجمي على مثال لا يكون في العربي. ولا يكون من الأوب، وقد قلبت الواو فيه إلى الياء، لأن من يقول: (صيم) في (صوم) لا يقلب إذا تباعدت من الطرف ولا يقول إلا (صوام)، وكذلك هذه العين إذا تباعدت من
1 / 21
الطرف وحجزت الواو بينها وبين الآخر لم يجز فيها القلب.
1 / 22
فصل
أذكر فيه زيادة الهمزة وأصالتها
متى كانت الهمزة في أول الكلمة ومعها أربعة أحرف من الأصول فهي أصل عرف [٥/آ] اشتقاق أو لم يعرف، والكلمة بها من الخماسي. وكذلك إن كانت حشوا أو طرفا، وذلك لكثرة كونها أصلا في ذلك إلا أن يمنع مانع أو يدل على الزيادة دليل.
قال أبو عثمان: (إذا وجدت الهمزة غير أول فلا نقض بزيادتها إلا بثبت؛ لأنها لم تكثر زيادتها في غير الأول).
فإن كانت الهمزة أولا وبعدها ثلاثة أحرف أصول قضي بزيادتها سواء كان معها في الكلمة زيادة أخرى أو لم يكن، وسواء عرف الاشتقاق أو جهل إلا أن يدل على أصالتها دليل، أو يمنع من زيادتها مانع؛ وإنما قضوا بذلك لأن زيادتها كثرت في
1 / 23
هذه الحال، فيحمل ما جهل على ما علم.
فعلى هذا قالوا: الهمزة في (إبراهيم) و(إسماعيل) ونحو ذلك أصل لأنها أول وبعدها أربعة أحرف أصول، وتكون الهمزة في (إسحاق)، على ما قرر، زائدة، لأنها أول وبعدها ثلاثة أحرف أصول، وكذلك (إدريس) وقد سبق في (أيوب) ما قال أبو علي.
*إبريق: فارسي معرب ومعناه بالفارسية: طريق الماء، أوصب الماء على رفق، وقد جاء في القرآن العزيز، وقال عدي بن زيد:
ودعا بالصبوح يوما فجاءت .... قينة في يمينها إبريق
والإبريق أيضا: السيف الصقيل، ووزنه: إفعيل.
1 / 24