وسبق السيف العذل ... فقد وصلت رسالتي لسعيد بعد أن كان قد قام، كصديق شهم يغار على عرض صديقه، بإطلاع عبد الجواد على كل شيء.
واعترفت منيرة ... وكتب سعيد في رسالته التالية يقول: ... أؤكد لك أني أحسنت صنعا ... لقد ماتت الفضيحة في مهدها ... واجه عبد الجواد زوجته فاعترفت، وعرض عليها الطلاق فقبلت، وقد تم كل شيء في هدوء ودون ضجة، وعادت منيرة أمس إلى القاهرة، وكان الله في عون عبد الجواد في الأيام القليلة المقبلة ... إنه سوف يعاني بضعة أيام، ثم ينسى ... وأنا لا أغادره دقيقة واحدة، لقد كانت الصدمة قوية عليه، لكن عبد الجواد رجل وسوف يفيق منها.
هل أفاق عبد الجواد؟
لقد ظننت ذلك كما ظن سعيد، ولكن ما حدث بعد ذلك كان مروعا ... لقد أخذ يصفي أعماله في مكتب المحلة بحجة أن أعصابه لا تحتمل كثرة السفر، وفي طنطا ظل مكتبه ناجحا، ولكنه اختفى عن أنظار أصدقائه؛ فكان يأوي كل مساء إلى منزله فلا يغادره ... وقد أحس سعيد نفسه بعد مدة أن عبد الجواد يؤثر أن ينفرد بنفسه، فكتب إلي في إحدى رسائله يقول:
لا أدري ماذا حل بعبد الجواد ... إنه انقطع عن كل الناس حتى عني أنا ... إنه يزعم أن وراءه عملا كثيرا، وأنه يشتغل في المنزل ... لقد زرته مرتين، فأحسست أنه يتمنى لو تنتهي زيارتي سريعا.
وقابلت عبد الجواد بعد ذلك في القاهرة فراعني لقاؤه الفاتر، وتحيته السريعة، وشرود ذهنه، ثم تعجله الانصراف ... إن الحوادث التالية كشفت عما تطور إليه حال عبد الجواد، فبعد عام واحد كتب إلي سعيد:
لقد صفى عبد الجواد أعماله في طنطا لكي يفتتح مكتبا فخما في القاهرة، وأنا لا أرى في ذلك خطأ فعبد الجواد محام ناجح، وميدان القاهرة أوسع، ومنه ينتقل لميادين كثيرة من النشاط ... ربما كان النشاط السياسي أحدها ... وهذا الميدان يوصل كما تعرف إلى الوزارة أحيانا، ولعلك تذكر أن عبد الجواد كان يتمنى دائما أن يصبح وزيرا للعدل؛ لأن قوانين كثيرة في حاجة إلى الإصلاح والتعديل، وسوف يكون هو الوزير الذي يجرؤ على إجراء هذا التعديل.
هذا ما قاله سعيد في رسالته، أما ما رأيته أنا فقد كان عبد الجواد نفسه ... بعد هذه الرسالة بأيام، رأيته يجلس على مقهى في شارع عماد الدين، لقد هب للقائي، وبعكس لقائه الأول أحسست أنه يريد أن يثرثر معي فجلست، وأخذ يحدثني عن مشروعاته ... إنه سيفتتح مكتبا كبيرا في القاهرة في أفخم حي من أحيائها، وسيشتغل إلى جانب ذلك بالتجارة، ويحشر نفسه في الأوساط الاقتصادية، لقد كان نجاحه في طنطا سهلا، وسوف يكون نجاحه في القاهرة أسهل، وتركت عبد الجواد تلك الليلة، وأنا مغتبط حقا بقوته واحتماله وروحه المتجددة، وتمنيت له التوفيق في حياته الجديدة ... وقابلت عبد الجواد بعد ذلك ثلاث مرات في المقهى نفسه، وكان كما قال لي يعد العدة لإنشاء مكتبه الجديد، وأخذ يذكر لي الأماكن التي رآها، والأحياء التي سيختار في أحدها مكتبه ... وكان يحمل في جيبه رسوما لتصميم حجرة المكتب، وغرف الموظفين، وصالون فاخر لاستقبال زوار المكتب.
ومر عام، ورأيت عبد الجواد في المقهى نفسه، كان يجلس إلى ثلاثة من أصدقائه قدمني إليهم، وأعترف أن اسما منهم لم يسترع انتباهي، وإنما استرعى انتباهي هيئة هؤلاء الأصدقاء ... ملابسهم الرثة، وطريقة حديثهم، ليس فيهم محام واحد من زملائه ... كلهم أساتذة، ولكنني لم أعرف في أي شيء ... إن طريقة حديث عبد الجواد نفسها لم تعجبني ، ثم كئوس الخمر الفارغة على المائدة، وأطباق المزة، إن الجو كان جو سهرة لا جو حديث عن العمل.
ومال علي عبد الجواد هامسا: الأستاذ الانصاري ده تاجر مهول، وحايشترك معايا ...
Неизвестная страница