دار حديثنا إذ ذاك كله عن سعيد وسهام، ولا أدري بالضبط كيف بدأ الحديث، ولكني أعرف أن سهام لم تكن في تلك اللحظة في مكانها من نفسي ... كانت قد تزحزت قليلا، وقد أكون أنا الذي بدأت الحديث فخطأت رأيها.
على أية حال، لقد تطرق بنا الحديث حتى تغلغل في بيت سعيد، وأخذ يزيح بلا سبب الغلالات الجميلة التي كسونا بها سهام، ولم يكن هذا غريبا ... إن في حياة كل إنسان لحظات يصبح فيها أشد ما يكون تهيؤا لفحص عقائده ومقدساته بقسوة قد لا يجرؤ عليها غيره.
والويل للعقائد والمقدسات الزائفة من هذه اللحظات، إنها تلقى إذ ذاك منا - نحن الذين آمنا بها حينا - ما لا تلقاه من الذين كفروا بها طوال الحياة.
ولقد كانت سهام إحدى مقدسات الشلة ، وكنا أنا ومصطفى نجتاز إحدى هذه اللحظات ... نجتازها فجأة بلا مقدمات ... حديث السينما التافه من الصعب أن يكون أساسا، وآراء سهام في الحب والحياة قد تكون مجرد ثرثرة في الطريق ...
ما الذي جعلنا إذن نتحدث عن سهام، وبالطريقة التي تحدثنا بها، بل ما الذي جعلني أنا أستمع لكل ما قاله مصطفى تلك الليلة، كأنه صادف هوى في نفسي؟
من المؤكد أنه ليس حديث السينما، ولا ثرثرة سهام وآراؤها الجريئة ... هي «الكبسولة» التي انفجرت ففجرت البارود، وملأت الجو بهذا الدوي الرهيب ... لكنها كانت مجرد كبسولة، أو لعل الكبسولة كانت قولي: عجيب هذا الرأي من سهام ... لو أن غيرها يقوله ... لكن هي؟!
واتصل اللهب بالبارود، فأجابني مصطفى، وكأنه يجاهد كلاما غير ما يقول: إن العجيب هو أن يكون لها رأي غير هذا، أليست امرأة؟
واستنكرت قوله ... وليتني ما استنكرته: امرأة! هل تنسى أنها سهام ... زوجة سعيد؟ - إن الذي يقتلني هو أنني لا أستطيع أن أنسى ذلك. - يقتلك! لكن لماذا؟ إنك ثائر.
لكن مصطفى كان أكثر من ثائر، كان كمن يئوده عبء ثقيل صبر على احتماله طويلا، ثم تهاوت أعصابه، واسترخت فسقط العبء على الأرض. - لست ثائرا، وإنما أكاد أجن ... ألا يرى سعيد ما نراه؟ لقد كان أكثرنا تجارب ... ألا يرى ما تفعل سهام؟ - وماذا تفعل سهام يا مصطفى، ولا تقره أنت؟ - هؤلاء السادة الجدد الذين نراهم في بيت سعيد ... متى كانوا أصدقاء؟ - هذا سؤال نوجهه إلى سعيد لا إليها ... ومع ذلك فأنا أجيبك عليه، عن أيهم تسأل؟ - ذلك السيد المنتفخ «م» باشا الذي ملأ صيته أنوف الأشراف بما هو أكثر من الزكام ... ما الذي جعله الآن قاسما مشتركا في كل سهرة ... منذ متى كان صديقا لسعيد؟ - إن الرجل صاحب يد جليلة على سعيد ... ألا تعلم أنه صاحب نفوذ؟ ثم إن الرجل يمضي السهرة معنا كأنه أحدنا ... إنه ديموقراطي الخلق. - والسيد الآخر الذي ظهر فجأة «ع» بك، ذلك الأمي الذي يقرأ ويكتب بعناء، ما الذي جمعه بنا؟ وأي حديث راقه من أحاديثنا حتى أصبح يشاركنا في مجلسنا كل ليلة ...؟ هل هو حديث الخراف والديكة التي انهالت على بيت سعيد؟!
وصحت بمصطفى: ألم أقل إنك ثائر ومجنون؟ هؤلاء أصدقاء سعيد ... يروقهم مجلسه كما يروقك ويروقني ... كيف تعرف عليهم؟ ألم تعرف أن ذلك يرجع إليه وحده، وهذا شأنه دون سواه؟ لقد أنستك ثورتك أكثر مما يجب.
Неизвестная страница