ونحن إلى الآن لم نسمع شيئا، إن الجيران يتكلمون دائما، وفي هذه الساعات بالذات ... ساعة الصباح حيث يتهيأ الموظفون إلى أعمالهم ... كان بعض الجيران يتكلمون.
كانت هناك مثلا سنية هانم التي تسكن في الشقة المقابلة لشقة عبد السميع ... لقد وقفت سنية هانم إلى جانب زوجها، وهو يرتدي ملابسه تقص عليه أطرافا من قصة جارهما عبد السميع بك وزوجته والشاب محسن، أما أنها ترى «محسن» كثيرا، وهو يترد على منزل عبد السميع فذلك أمر نعرفه ... ونعرف أيضا أن سعدية لا تبالي بزوجها، ولا بالجيران أيضا، لكنا لا نعرف مثلا هذا الذي تقوله الآن بحيث جعل زوجها يتوقف عن إصلاح ربطة عنقه، ويلتفت إليها سائلا في دهشة: هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟
إن سنية تؤكد له أنه وصل ... لقد قالت سعدية لصديقتها اعتدال كل شيء، وصارحتها بما انتوته، وبما سوف تفعله.
ولزوج سنية الحق في أن تعروه الدهشة، وأن يشك في بلوغ الأمر إلى هذا الحد ... - مرة أخرى ... مش معقول ... مش معقول ... ولو أن اعتدال تقول ذلك.
وفي الوقت الذي تروي فيه سنية لزوجها القصة، وهو لا يعقلها، ولا يصدقها تكون اعتدال أيضا ترويها كشاهد عيان ترويها للمرة العشرين على الأقل ... لإحدى صديقاتها: ألم تسمعي بآخر خبر ... إنه سر لن أقوله لك حتى تقسمي ألا تبوحي به لأحد.
وتقسم الصديقة ... كما أقسمت هي من قبل لسعدية على حفظ السر ... وتمضي اعتدال في روايتها: مش سعدية بتحب واحد تاني ... وكأنما ترى الصديقة أن لا جديد في الموضوع، ولكن اعتدال تؤكد لها: بتحب صحيح، بتحب واحد، وسوف تترك عبد السميع زوجها من أجله ... ستتزوجه هو. - هو ... من هو؟ - ولد صغير ساكن في المنزل المقابل لمنزل سعدية ... اسمه محسن أمين، لقد قررت سعدية أن تطلق من زوجها، وتتزوجه هو.
وتمضي اعتدال في سرد تفصيلات القصة، النظرة فالسلام فالزيارة في ساعات الصباح المتأخرة ... وعشرات القصص من هذا القبيل ... ثم تنتهي بأن سعدية ستصارح عبد السميع اليوم، وتطلب منه أن يطلقها ...
ترى ماذا يقول عبد السميع ... وما هو رأيه؟
ونعود إلى منزل عبد السميع لنرى كل شيء هادئا، في ساعات الظهيرة سعدية في حجرتها تنعم برقاد لذيذ، وعبد السميع في حجرته يسحب أنفاس الدخان من سيجار ضخم ... هادئ الأعصاب مسرورا بالحياة، ومن سوء الحظ أننا لم نتقدم بضع دقائق ... لقد فاتنا أروع منظر في القصة ... منظر سعدية وهي تطلب من عبد السميع أن يطلقها ... ولكن لا بأس ... ستروي سعدية لاعتدال هذا المنظر، وما دار فيه من حوار بالتليفون، ولنستمع نحن مع اعتدال: رجل ليس في وجهه قطرة من الدم ... تصوري أني أقول له بالعربي المفتوح إني أحب محسن وهو يحبني، وإني أريد أن يطلقني لأتزوج محسن، فيكون جوابه ببساطة، ودون أن يثور: «ماتبقيش مجنونة» ثم ينسى الموضوع، ويحدثني عن رغبته في دعوة فلان باشا الوزير السابق للعشاء لأنه جاي وزير تاني في الوزارة الجديدة، أنت تذكرين فلان باشا هذا؟
وتعلق اعتدال: طبعا أذكره ... ليلة عيد ميلادك عندما سكر، وحمله عبد السميع والحاجب إلى منزله ... - هو بالضبط ... سيعود وزيرا، وعبد السميع يطمع في أن يعينه مديرا لمصلحة كبيرة ... هذا المغفل، إنني لا عمل لي إلا ترقيته ... - وبعدين؟ - وبعدين حاولت أن أجعله يتشاجر معي لأترك البيت فأخذ يتظرف معي، ويمدح في محسن، وقال إنه مستعد لأن يطلقني لو كان يعرف أن محسن يستطيع أن يفتح بيتا ... ثم بكى كالطفل، وقال لي إنه لم يتدخل في شئوني أبدا، وأقسم لي أن محسن يضحك علي، وأنه لن يتزوجني ... تصوري المغفل يظن أن كل الرجال مثله عديمو الشرف. - وبعدين؟ - وبعدين سأقابل محسن غدا صباحا، وأصفع عبد السميع صفعة لا يقوم منها ... سأجعل محسن يكتب لي ورقة يتعهد فيها بالزواج مني ... - وإذا رفض عبد السميع أن يطلقك بعد ذلك؟ - سأنغص عيشه، وأرغمه على طلاقي ... ولا بد أن يكون المنظر شائقا.
Неизвестная страница