عندما تزوجا، اعتاد جاك وهازل على الذهاب إلى حفلات الرقص، أو إلى رابطة المحاربين، أو إلى منازل أزواج آخرين، وعاجلا أو آجلا يبدأ الرجال في سرد قصتهم مع الحرب. لم يكن جاك يتلو قصصا كثيرة، ولا كانت قصصه الأطول، ولم تكن قصصه قط ممتلئة بالأعمال البطولية ولحظات مواجهة الموت. كان يتحدث عادة عن أشياء كانت مضحكة. لكن كانت قصصه تلقى الإعجاب الأكبر؛ نظرا لأنه كان قائد طائرة قاذفة، وهو ما كان من أكثر الأشياء إثارة للإعجاب بالنسبة لأي رجل. كان قد شارك في جولتين كاملتين من العمليات العسكرية. بعبارة أخرى، كان قد شارك في خمسين غارة قصف جوي.
كانت هازل معتادة على الجلوس مع الزوجات الشابات الأخريات وتستمع، في استسلام وفخر - وفي حالتها، على الأقل تشتت بسبب الرغبة. كان هؤلاء الأزواج يأتون إليهن ممتلئين عن آخرهم بشجاعة مثبتة. كانت هازل تشفق على النساء اللائي كن تسلمن أنفسهن إلى رجال أقل شأنا.
بعد عشرة أعوام أو خمسة عشر عاما كانت النساء نفسها تجلس بوجوه متوترة أو يتبادلن النظرات أو حتى يتغيبن (كانت هازل تفعل ذلك، في بعض الأحيان) عندما كان يجري سرد تلك القصص. كانت جماعة الرجال التي كانت تحكي تلك القصص قد تضاءلت، وأخذت تتضاءل أكثر فأكثر، لكن كان جاك لا يزال في مركز الاهتمام فيها . صار جاك أكثر تفصيلا في حكيه، وأكثر تأملا، وربما يقول البعض أكثر إطنابا. كان يتذكر الآن ضجيج الطائرات في القاعدة الجوية الأمريكية القريبة، صوتها الجبار وهي تدير محركاتها في الفجر المبكر قبل أن تقلع، ثلاثا فثلاثا، تطير فوق بحر الشمال في تشكيلات عظيمة. طائرات فلاينج فورترس. كان الأمريكيون يدكون أهدافهم نهارا، ولم تكن طائراتهم تطير وحدها قط. لم؟
قال جاك: «لم يكونوا يتقنون الملاحة ... حسنا، كانوا يعرفون ذلك، لكنهم لم يتقنوا الملاحة مثلنا.» كان فخورا بامتلاكه مهارة إضافية، أو طيش، لدرجة أنه لم يعبأ بتبريره. كان يبين كيف كانت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني تفقد بعضها أثر بعض على الفور تقريبا، وكانت تطير ست أو سبع ساعات وحدها. في بعض الأحيان، كان الصوت الذي يوجههم، عبر جهاز اللاسلكي، صوتا ألمانيا ذا لكنة إنجليزية متقنة، يقدم معلومات خاطئة مميتة لهم. كان يتحدث عن طائرات تظهر من حيث لا تدري، تطير في خفة فوق أو أسفل الطائرات، وعن تدمير الطائرات في ومضات خاطفة مثل الأحلام. لم يكن الأمر مثلما هو في الأفلام، لا يوجد شيء مركز أو منظم، لم يكن ثمة شيء منطقي. في بعض الأحيان، كان يظن أنه يستطيع سماع الكثير من الأصوات، أو الآلات الموسيقية، أصوات غريبة لكنها مألوفة، أصوات تتجاوز ضوضاء الطائرة أو في خضمها.
ثم بدا كما لو كان يعود أدراجه إلى الأرض - بأكثر من طريقة - وكان يحكي قصصا عن فترات الإجازة وأوقات السكر، وعن الشجارات خارج الحانات، والمقالب في الثكنات. •••
في الليلة الثالثة، ظنت هازل أن من الأفضل أن تتحدث إلى دادلي عن الذهاب لزيارة الآنسة دوبي. كان الأسبوع يمر، ولم تكن فكرة الزيارة تزعجها كثيرا، الآن وقد اعتادت قليلا على البقاء هنا.
قال دادلي: «سأهاتفك في الصباح.» بدا مسرورا أن جرى تذكيره بالأمر. «سأرى إن كان ذلك يلائمها. هناك أمل في أن يصفو الجو أيضا. سنذهب غدا أو بعد غد.»
كانت أنطوانيت تشاهد أحد البرامج التليفزيونية كان الأزواج يختارون بعضهم فيه، من خلال عملية معقدة للالتقاء للمرة الأولى، ثم يعودون في الأسبوع التالي ويقصون كيف صارت الأمور. كانت تضحك في الحال على الاعترافات المذهلة.
كانت أنطوانيت معتادة على الخروج لملاقاة جاك وهي لا ترتدي إلا ثوب النوم تحت معطفها. كان والدها يعنفها، يعنف كلينا، مثلما كان جاك يقول. •••
قالت أنطوانيت لهازل أثناء الإفطار: «سأصطحبك إذن لزيارة الآنسة دوبي ... دادلي منشغل للغاية.»
Неизвестная страница