كانت الزوجة التي تصنع الكعك حيية وسريعة الاهتياج، وإذا جئتها وحاولت دفع مقابل ما اشتريت، فستنادي على زوجها باللغة الكرواتية، أو أي ما كانت اللغة التي تناديه بها - دعنا نفترض أنها الكرواتية - في رهبة بحيث تجعلك تشعر كما لو أنك قد اقتحمت منزلها وانتهكت خصوصيتها. كان الزوج يتحدث الإنجليزية بشكل جيد جدا. كان رجلا صغير الحجم أصلع، مهذبا وعصبيا، مدخنا شرها جدا، وكانت هي امرأة ضخمة، سمينة، كتفاها محنيتان، ترتدي دوما ميدعة وسترة صوفية مغزولة. كان يغسل النوافذ ويكنس الممر الجانبي ويتلقى الأموال من الزبائن، وكانت هي تعد المخبوزات وتصنع الكعك وتصنع أشياء لم يسمع الناس عنها من قبل، لكن سرعان ما تصير مشهورة، مثل البيروغة وخبز بذور الخشخاش.
كانت ابنتاهما تتحدثان الإنجليزية تماما مثل الكنديين، وكانتا تذهبان إلى مدرسة الراهبات. ترجع البنتان من مدرستهما مرتديتين زيهما المدرسي في آخر المساء، وتبدآن العمل مباشرة. كانت الأخت الصغرى تغسل فناجين القهوة والأكواب وتنظف الموائد، في حين كانت الأخت الكبرى تقوم بباقي الأعمال؛ فكانت تقدم الطلبات للزبائن، وتشغل ماكينة الدفع النقدي، وتضع الطلبات على صواني التقديم، وتفرق الأطفال الصغار الذين يقتربون من المحل دون أن يشتروا شيئا. وعندما تفرغ الأخت الصغرى من عملها، كانت تجلس في الغرفة الخلفية لتؤدي فروضها المنزلية، بينما لم تكن الأخت الكبرى تستريح قط، فإذا لم يكن لديها أي عمل عليها القيام به، فكانت تكتفي بالجلوس إلى ماكينة الدفع النقدي، تراقب ما يحدث.
كانت الأخت الصغرى تسمى ليزا، وكانت الأخت الكبرى تدعى ماريا، كانت ليزا صغيرة الحجم وجميلة الشكل بالنسبة لطفلة في سنها، في المقابل، كانت ماريا تقريبا في حدود الثالثة عشرة من عمرها، تمتلك نهدين كبيرين مترهلين، وبطنا كبيرة مستديرة، ورجلين سمينتين. كانت ترتدي نظارة، وكانت تضفر شعرها حول رأسها. كانت تبدو كما لو أنها في الخمسين من عمرها.
وكانت تتصرف كما لو أنها كذلك، على النحو الذي تولت به إدارة المتجر. كان والداها لا يمانعان في إفساح المجال لها. انسحبت الأم إلى الغرفة الخلفية، وصار الأب يكتفي بتقديم المساعدة لها. كانت ماريا تفهم الإنجليزية وتفهم في الأمور المالية، ولم يكن ثمة شيء يخيفها. كان كل الأطفال الصغار يقولون: «أف لماريا هذه، أليست فظة؟» كانت تبدو كما لو أنها تعرف كل شيء عن إدارة الأعمال. •••
كانت بريندا وزوجها يديران عملا حرا أيضا. اشتريا مزرعة جنوب بحيرة لوجان وملآ المخزن فيها بأدوات منزلية مستعملة (التي كان كورنيليس يعرف كيف يصلحها)، وأثاث مستعمل وأشياء أخرى كثيرة: أطباق، وصور، وسكاكين، وشوك، وحلي، ومجوهرات، يقبل الناس على شرائها نظرا لرخص ثمنها. كان اسم المكان مخزن زنت للأثاث. محليا، كان الكثير من الناس يشيرون إليه باسم «الأثاث المستعمل على الطريق السريع».
لم يكن هذا عملهما دوما. كانت بريندا تدرس في حضانة أطفال، وكان كورنيليس - الذي يكبرها باثني عشر عاما - يعمل في منجم الملح في والي، المطل على البحيرة. بعد وقوع الحادث له، كان عليهما أن يفكرا في شيء يمكنه فعله بينما هو جالس معظم الوقت، واستخدما المال الذي كان بحوزتهما في شراء مزرعة قديمة، لكن مبانيها في حالة جيدة. تركت بريندا عملها، نظرا لكثرة ما كان على كورنيليس عمله بنفسه. كانت تمر ساعات خلال اليوم، وفي بعض الأحيان أيام طوال كان يرقد فقط ويشاهد التليفزيون، أو كان يرقد على أرضية غرفة المعيشة يحاول التكيف مع الألم.
في الأمسيات، كان كورنيليس يحب أن يقود الشاحنة إلى والي. لا تبادر بريندا أبدا بالعرض عليه بأن تقود هي الشاحنة، بل تنتظره أن يبادر قائلا: «لماذا لا تقودين أنت؟» إذا لم يرد أن تؤثر حركة ذراعيه أو قدميه على ظهره. كان الأطفال معتادين على الذهاب معهم، لكنهم الآن في المرحلة الثانوية - لورنا في الصف الحادي عشر، ومارك في الصف التاسع - ولذلك فهم عادة لا يرغبون في ذلك الآن. تجلس بريندا وكورنيليس في الشاحنة الواقفة في مكان الانتظار، وينظرون إلى طيور النورس المتراصة حول حائل الأمواج، وصوامع الغلال، والأعمدة الهائلة المضاءة باللون الأخضر، والممرات المنحدرة التي توصل للمنجم الذي كان كورنيليس يعمل فيه؛ حيث توجد تلال من الملح الرمادي الخشن. في بعض الأحيان، كان يوجد قارب طويل في الميناء. بالطبع، توجد قوارب للتنزه في الصيف، وأشخاص يتزلجون على المياه، وأناس يصطادون من على رصيف الميناء. كان وقت الغروب يجري الإعلان عنه يوميا على لوحة في الشاطئ آنذاك؛ فكان الناس يأتون إلى الشاطئ خصيصى لرؤيته. الآن، في أكتوبر، اللوحة خالية والأنوار مضاءة بطول الميناء - لا يزال هناك واحد أو اثنان من هواة الصيد يصطادان - ويبدو الماء متلاطم الأمواج وباردا، ويبدو الميناء كمكان تجاري بحت.
لا يزال ثمة عمل يجري على الشاطئ. منذ أوائل الربيع السابق، وضعت صخور صلبة في بعض الأماكن، ووضعت رمال في أماكن أخرى، وأنشئ لسان صخري طويل، وكل هذا يكون معا حاجزا لحماية الشاطئ، مع وجود طريق غير ممهد بحذائه، كانا يقودان الشاحنة عليه. كان كورنيليس لا يعبأ بظهره؛ فكل ما كان يريده هو أن يشاهد كل هذا. كانت الشاحنات الكبيرة، والجرافات، والبلدوزرات تعمل طوال اليوم، ولا تزال قابعة هناك، كوحوش طيعة ساكنة مؤقتا، في المساء. هنا يعمل نيل؛ يقود نيل هذه الأشياء، ينقل الصخور في المكان، ويخلي المساحات المطلوبة، ويمهد الطريق الذي يقود بريندا وكورنيليس شاحنتهما عليه. إنه يعمل لدى شركة فوردايس للمقاولات، ومقرها لوجان، والتي تحظى بعقد تنفيذ هذا المشروع.
ينظر كورنيليس إلى كل شيء. يعرف ما تحمله القوارب (قمح لين، وملح، وذرة) وإلى أين تذهب، ويعرف طريقة تعميق مجرى الميناء، ويريد دوما أن يلقي نظرة على الأنبوب الهائل الذي يمتد بزاوية إلى الشاطئ ويعبره، مخرجا ماء ورواسب طينية وصخورا من قاع البحيرة الذي لم ير ضوء النهار قط. يذهب ويقف بجانب هذا الأنبوب ليستمع إلى الجلبة الجارية داخله، الأصوات المدوية للصخور والمياه التي تهدر في طريقها. يتساءل عما سيفعله شتاء قاس بكل هذه التغييرات والترتيبات إذا أزاحت البحيرة الصخور وما في الشاطئ، ثم طرحتها جانبا وبدأت في نحر المنحدرات الطينية، مثلما حدث من قبل.
تستمع بريندا إلى كورنيليس وتفكر في نيل. تشعر بالمتعة في أن تتواجد في المكان الذي يقضي نيل معظم أوقاته. تحب أن تفكر في الضوضاء والحركة المستمرة لهذه الآلات وفي الرجال ذوي الأذرع العارية الذين يقودون هذه الآلات القوية في سهولة بالغة، كما لو كانوا يعرفون على نحو طبيعي ما ستفضي إليه هذه الأصوات المدوية والحركة العنيفة التي تتم على الشاطئ. وكذلك شخصياتهم العفوية وحلاوة روحهم. إنها تعشق رائحة العمل في أجسادهم، اللغة التي يتحدثون بها، استغراقهم في أعمالهم، وتجاهلهم لها. ترغب في أن تحصل على رجل خرج لتوه من خضم كل ذلك.
Неизвестная страница