لم ترد أخبار من فلورا عما حدث لاحقا. عندما كتبت إليها في الكريسماس، بدت كما لو كانت تأخذ على محمل التسليم أن أخبارها تنقل إليها وأنها لن تأتي بجديد.
كتبت فلورا قائلة: «لعلك سمعت بالتأكيد ... أن روبرت والممرضة أتكينسون تزوجا، هما يعيشان هنا، في الجزء الخاص بروبرت في المنزل، يقومان بإجراء بعض الإصلاحات فيه ليلائمهما. لعل من قبيل سوء الأدب أن أطلق عليها الممرضة أتكينسون، مثلما أرى أنني دعيتها توا، كان يجب أن أسميها أودري.»
بالطبع، كانت صديقة مكتب البريد قد كتبت إلى أمي، مثلما فعل آخرون. كانت صدمة وفضيحة مروعتين، ومسألة أثارت المقاطعة بأسرها؛ نظرا لغرابة وسرية زواج روبرت مثل زواجه الأول (وإن لم يكن للسبب نفسه بالتأكيد)، وزرع الممرضة أتكينسون بصورة دائمة في المقاطعة، وخسارة فلورا للمرة الثانية، لم يسمع أحد بوجود أي نوع من المغازلة بين الاثنين، وتساءلوا: كيف استطاعت المرأة أن تغريه بالزواج منها؟ هل وعدته بإنجاب أطفال، كاذبة عليه بشأن عمرها؟
لم تنته المفاجآت بالزواج بأي حال من الأحوال؛ فلم تضع العروس وقتا واستكملت على الفور «إجراء الإصلاحات» التي ذكرتها فلورا، ثم جاءت الكهرباء والهاتف. كانت الممرضة أتكينسون - إذ سيطلق عليها الممرضة أتكينسون دوما - تسمع عبر الهاتف تعنف من يقومون بالطلاء، وتعليق ورق الحائط، وخدمات التوصيل. قامت بتجديد كل شيء. قامت بشراء سخان كهربائي ووضعته في حمام، ولا يعلم أحد من أين جاءت بالأموال؟ هل كانت أموالها؟ حصلت عليها من خلال صفقات متعلقة بمرضى على فراش الوفاة؟ من خلال صفقات إرث مشبوهة؟ هل كانت الأموال أموال روبرت، نصيبه؟ نصيب إيلي، الذي تركته له وللممرضة أتكينسون ليستمتعا به، هذان الزوجان عديما الحياء!
جرت عمليات التطوير هذه جميعها في جانب واحد فقط من المنزل، ظل جانب فلورا كما هو؛ لا وجود لمصابيح كهربية، ولا وجود لورق حائط جديد، ولا ستائر معدنية. عندما جرى طلاء المنزل من الخارج - باللون الكريمي بزخارف داكنة الخضرة - ترك جانب فلورا كما هو، قوبلت هذه البداية الغريبة في البداية بشيء من الشفقة والامتعاض، ثم بتعاطف أقل؛ علامة على عناد فلورا وغرابتها (كان باستطاعتها شراء طلاء، وجعل جانبها يبدو أكثر أناقة)، وأخيرا صار الأمر بمثابة مزحة. جاء الناس من كل حدب وصوب لمشاهدة المنزل.
كان يقام حفل راقص دوما في المدرسة لأي زوجين متزوجين حديثا. كان يجري تقديم مبلغ نقدي - يطلق عليه «محفظة مالية» - إليهما. أعلنت الممرضة أتكينسون أنها لا تمانع في اتباع هذا التقليد، على الرغم من أن عائلة زوجها كانت تحرم الرقص. اعتقد البعض أن من العار إرضاء الممرضة أتكينسون، ما يمثل صفعة على وجه فلورا. اتسم آخرون بفضول مفرط حال دون إحجامهم عن التطفل، كانوا يريدون أن يروا كيف سيتصرف الزوجان المتزوجان حديثا. هل سيرقص روبرت؟ ما شكل الفستان الذي سترتديه العروس؟ تأخر تنظيم الحفل فترة، ثم ما لبث أن تم وتلقت أمي الأنباء.
ارتدت العروس الفستان الذي كانت قد ارتدته في زفافها، أو هكذا قالت، لكن من يرتدي فستانا كذلك في منزل القس؟ لعل الأمر الأكثر احتمالا أنها ابتاعت الفستان خصيصى من أجل ظهورها في حفل الرقص. فستان من الستان الأبيض الناصع، له عنق على هيئة قلب، فستان لشابة صغيرة جدا. ارتدى العريس بذلة جديدة لونها أزرق داكن، وكانت العروس قد غرست زهرة في عروة سترته. كان منظرهما لافتا للانتباه. كان شعرها مصففا بحيث يعمي الأبصار من خلال الانعكاسات النحاسية البراقة، وبدا وجهها كما لو كان سيتهشم لو حدث أن أراحته على كتف رجل أثناء الرقص. رقصت، بالطبع؛ رقصت مع الجميع إلا العريس، الذي جلس محصورا في أحد مقاعد المدرسة قبالة الحائط. رقصت مع كل الرجال في الحفل - جميع الرجال زعموا أن عليهم الرقص معها، هكذا كان التقليد - ثم جرجرت روبرت خارج المقعد لتلقي المبلغ النقدي ولشكر الجميع على أمانيهم الطيبة. أشارت خفية إلى النساء في غرفة المعاطف أنها تشعر أنها ليست على ما يرام، للسبب المعتاد الذي تذكره أي عروس جديد. لم يصدقها أحد، وحقيقة لم يظهر شيء يدل على ذلك، إذا كانت فعلا تشعر كما تقول. ظنت بعض النساء أنها كانت تكذب عليهن حقدا منها، وتهينهن وتستخف بهن بحيث تظن أنهن بهذه السذاجة. لم يعترضها أحد، ولم يتصرف أحد بوقاحة نحوها ؛ ربما نظرا لأنه من الواضح أنها كانت قادرة على التصرف بوقاحة بحيث لا يمكن أن يقف أمامها أحد.
لم تكن فلورا حاضرة في الحفل.
قالت الممرضة أتكينسون: «سلفتي لا ترقص. لا تزال متمسكة بعادات الزمن الفائت.» دعتهم جميعا للسخرية من فلورا، التي كانت تدعوها دوما سلفتي، على الرغم من أنه لم يكن لها أي حق في أن تدعوها كذلك.
كتبت أمي خطابا إلى فلورا بعد سماعها بكل هذه الأشياء. من خلال بعدها عن المشهد، وربما في غمار الأهمية المولاة إليها نظرا لوضعها الجديد كعروس جديد، ربما غاب عنها طبيعة الشخص الذي كانت تكاتبه. عبرت أمي عن تعاطفها وأظهرت جام غضبها، ونقدت بشكل مباشر وعنيف المرأة التي - مثلما كانت ترى أمي - أعطت فلورا صفعة شديدة. أجابت فلورا على خطاب أمي قائلة إنها لا تعلم من أي مصدر تتلقى أمي أخبارها، لكن يبدو أنها أساءت الفهم، أو استمعت إلى أشخاص حاقدين، أو قفزت إلى نتائج غير مبررة. ما حدث في عائلة فلورا لا يعني أحدا، وبالتأكيد لا يوجد ما يستدعي أن يشعر أحد بالأسف أو الغضب نيابة عنها. قالت فلورا إنها كانت سعيدة وتشعر بالرضى عن حياتها، مثلما كانت دوما، ولا تتدخل فيما يفعل أو يريد الآخرون؛ لأن هذه الأشياء لا تعنيها. تمنت فلورا لأمي وافر السعادة في زواجها، وأملت في أن تصبح قريبا جدا منشغلة بمسئولياتها الخاصة، بحيث لا تهتم بحياة الآخرين الذين كانت تعرفهم.
Неизвестная страница