فجعل يقبلها ويقول: ما أرق إحساساتك يا راحيل، إني أسأت إليك عن غير قصد فسامحيني، إني معذور على هذا الكلام؛ لأن امرأتي نزعت مني الثقة بالمرأة. - شتان بيني وبين امرأتك، امرأتك ذات حظ ولكنها بلا قلب، وأما أنا فذات قلب ولكني بلا حظ. - صدقت، صدقت إن امرأتي بلا قلب. - لا أدري كيف أنك تطيقها في بيتك؟ - ماذا أفعل؟ إني أحتاج إلى ثروتها فإذا لم أنل منها شيئا فأتمتع على الأقل بريعها. - أتعجب كيف تحتمل هذه الحال؟ - أصبح الفرج قريبا جدا يا راحيل. - هل دبرت طريقة ناجحة؟ - نعم ربما أتخلص من زينب قريبا وأستولي على ثروتها من غير عناء. - هل دبرت لها مهلكا؟ - شيء كذلك. - ومتى تخلصت منها؟ - أكون لك وحدك يا راحيل.
فاختلجت راحيل وقالت في نفسها: إذا صح ما يقول هذا الشقي فعلي أن أدفع لسالم رحيم عشرة أضعاف ما دفعه لي؛ لأنه خدمني بهذه المهمة أكثر مما خدمته، وكان طاهر أفندي كلما سمع كلمة من كلام عزيز يجس يد حسين باشا، ويقول له: هل سمعت؟ وعند هذا الكلام الأخير لم يعد يتحمل حسين باشا فهم أن يرفس الباب برجله ويثب إلى الغرفة كالوحش الضاري، فأمسكه طاهر أفندي وقال له: بربك اكظم غيظك الآن، هلم بنا كفى ما رأيت، وإذا شئت أرك خليل في مثل هذه الحال.
وفي الحال خرجا خفيفي الوطأة؛ بحيث لم يسمع أحد وقع أقدامهما، وركبا مركبة وعادا من حيث أتيا، وحسين باشا ينتفض من الغيظ، وبعد هنيهة قال: الله يلهمني الصبر حتى لا أرتكب جناية بهذا الشرير، لا أدع زينب تبقى عنده لحظة، سآخذها إلى منزلي الآن وإلا كانت تحت خطر الهلاك في منزل هذا الشقي. - تفعل حسنا، ولكن ليس في هذا الليل، غدا زرها واستقص أحوالها منها، وثم خذها. - ماذا عسى يا ترى أن تكون هذه التهلكة التي دبرها لها؟ - الله أعلم، ليس من تهلكة مستترة سوى التسميم، فلا يبعد أن يكون قصد أن يسمها. - ويلاه، يا له من نذل خبيث لئيم، لقد طلى علي خبثه وأوغر صدري على هذه المسكينة.
وكانت الساعة الثانية بعد نصف الليل حين رجعا، فذهب كل إلى منزله، طاهر أفندي يستعد إلى يوم دينونة عزيز باشا، وحسين باشا عدلي يقشعر من شدة الغضب ويحرق الأرم على عزيز وينوي الإيقاع به في صباح اليوم التالي.
وأما عزيز باشا فبقي وراحيل يسكران حتى الصباح.
الفصل السادس والثلاثون
ولما كانت الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي قصد حسين باشا إلى منزل عزيز باشا وسورة الغضب لا تزال تزلزل عضلاته من مواضعها، فلما وصل دخل توا إلى دار الحريم، فوجد عزيز باشا يحاول تجريع زينب الشربة التي أعدها لها في اليوم السابق، وهي تمانع بدعوى أنها تتقيأ إذا شربتها، فلما رأت عمها مقبلا هبط قلبها في فؤادها؛ لأنها خشيت أن يكرهها على شربها، فلما رآه عزيز باشا قال: أتيت في حينك يا حسين باشا، حاول لعلك تستطيع تجريعها الشربة.
فكظم حسين باشا غيظه في أول الأمر، وقال لزينب: لماذا لا تشربينها وفيها شفاؤك؟ - رحماك عماه، أنقذني من هذه الشربة.
فشعر حسين باشا كأن الضراعة نبلة طعنت فؤاده، وخطر له - في الحال - أن زينب موجسة شرا من هذه الشربة، وإلا لما مانعت كل هذه الممانعة في تجرعها، ولكنه أحب أن يتأنى؛ ليرى ماذا تكون خاتمة هذا المشهد؟ فقال: من وصف لها هذه الشربة يا عزيز باشا؟ - الدكتور ف... وقال: إنها ضرورية جدا لها؛ لأن معدتها مختلة الآن، وقد مر علي ساعة وأنا أحاول أن أجرعها إياها، وهي تمانع كأنها ولد صغير.
فنظر حسين باشا في زينب وقال لها: خذيها يا زينب خذيها.
Неизвестная страница