فجذبته زينب قائلة: إذن لا رحمة منك. - لا رحمة. - طلقني وخذ قسما من أملاكي. - أريده كله. - إن هذا لجور ثقيل يا عزيز. - لا أريد إلا كذا. - وما فائدتي من الطلاق إذا خرجت من منزلك فقيرة؟ - لست مضطرة إلى هذا الطلاق إذا ملكتني كل ثروتك.
فأنت، وقالت: مظلومة على كل حال. - إذن اختاري الوجه الأفضل. - أفضل أن تبيعني طلاقي بنصف ثروتي وتدع النصف الباقي لأورثه لأولادك. - لا يهمك أمر أولادي. - يهمني جدا أمرهم؛ لأنهم أولادي كما هم أولادك وأنا التي ربيتهم، فلا يطمئن قلبي إذا لم أضمن سعادتهم. - إذن لا نتفق. - إذا أحرجتني أقاضيك أمام المحكمة الشرعية. - أتتهدديني؟ لا تستطيعين شيئا يا زينب.
فتواقعت على قدميه، وقالت: رحماك يا عزيز! أسجل نصف أملاكي باسمك والنصف الآخر باسم أولادي.
ففكر عزيز هنيهة ثم قال: رضيت، متى تفعلين؟ - متى تشاء؟ - غدا. - غدا، ولكن يجب أن يكون الطلاق والتسجيل في حين واحد. - لك ما تريدين.
أما عزيز باشا فرضي بهذا الاقتراح؛ لأنه هو الولي الشرعي على أولاده فيتصرف بنصيبهم كما يشاء، وأما زينب فظنت أنها تشتري راحتها من ذلك العذاب الذي لا يطاق بنصف ثروتها وتتحفظ بالنصف الباقي لأولادها.
الفصل الثالث والعشرون
كانت غرفة زينب الحقيرة محاذية لغرفة أخرى صغيرة تنام فيها إحدى الخادمات وبين الغرفتين جدار رقيق من نوع البغدادلي، وفي أعلاه نافذة صغيرة، ولما كان عزيز باشا يفاوض زينب أو هي بالأحرى تفاوضه المفاوضة المار ذكرها، كان يوسف مرقص السفرجي مختبئا في تلك الغرفة - وقد عرف القارئ فيما سبق أن سالم أفندي رحيم الذي زار طاهر أفندي عفت زيارة سرية سعى إلى تعيين يوسف مرقص هذا في خدمة عزيز باشا؛ ليكون جاسوسا سريا - فهذا الشاب كان في ذلك المساء مختبئا في الغرفة المذكورة يتسمع كل ما دار بين عزيز وزينب، وإذ كان يعرف الإفرنسية فهم أيضا بعض الجمل التي تكلما فيها، وفهم قرارهما الأخير على أن زينب اشترت طلاقها بنصف ثروتها.
ولما خرج عزيز باشا من عند زينب وكان الخدم لا يزالون في الدار السفلى يتعشون ويهرجون خرج أيضا يوسف من مخبئه من حيث لا يدري به أحد وذهب توا إلى سالم أفندي رحيم وأخبره بكل إيجاز ما كان في ذلك المساء، كما اعتاد أن يخبره فيما مضى بأهم ما يجرى في بيت عزيز باشا.
ولما كانت الساعة الثالثة بعد نصف الليل كان يوسف مرقص ينشق البواب قطنا مبلولا بالكلوروفورم (البنج) حتى خدر أعصابه ولم يعد يصحو لطارق، وعند ذلك فتح يوسف الباب فدخل رجل مشتمل بشملة (أو قل: ملثم بلثام) وكان يوسف يصعد أمامه في السلم ويمشي من رواق إلى رحبة حتى وصلوا إلى أمام غرفة زينب، وكان الكل نياما والرحبة التي لدى غرفة زينب مضاءة بمصباح ضئيل النور، فنقر الرجل الملثم على الباب - ولا يخفى على القارئ أن زينب كانت خفيفة النوم جدا وأكثر الليالي متأرقة - فلما سمعت النقر على الباب أفاقت وقالت: «من» فأجاب: «أنا» فنهضت ودنت من الباب وقالت: «من أنت، أعزيز؟» - كلا، بل مخلصك من جور عزيز وغدره.
فوقفت زينب بعيدة عن الباب نحو متر - وكانت تسمع خفقان قلبها - فأدرك الملثم أنها في قلق، فأردف كلامه بكلام آخر قائلا بصوت خافت وفمه قرب ثقب القفل: لا تنذعري يا زينب، ما أتيت لكي أدخل عليك، لا تفتحي لي إذا كنت موجسة مني شرا ولكن اسمعي لي كلمة واحدة فقط.
Неизвестная страница