Путь Жизни
سبيل الحياة
Жанры
فسألتها: «أهي حسنة التجليد؟»
قالت: «لا.. كما اشتريناها.. كل بناتي وأحفادي يقرأونها ويحملونها معهم حيثما يكونون».
قلت: «شيء جميل».
قالت: «أوه. لشد ما يفرحون الليلة حين أقول لهم إني كنت جالسة إلى جانب تيمور بك».
الفصل السادس عشر
اللغة والقوالب الموروثة
كنت ذات يوم أكتب رسالة إلى صديق فجرى القلم بهذه العبارة المألوفة «ومما زاد الطين بلة ...» وهممت بأن أمضي في الكتابة ثم رددت نفسي وألقيت القلم ونهضت إلى الشرفة ورحت أدخن وأنظر إلى الناس. ولكن النظر إلى الناس لم يكن همي ولا كان كل شغلاني؟ فقد كنت أحادث نفسي وأحاورها وأقول لها إن عبارة «زاد الطين بلة» ليست هي الوحيدة التي ورثناها في جملة ما ورثنا من لغتنا وقد صارت على الأيام «كليشيها» أو قالبا مصبوبا نستعمله في الحديث والكتابة من غير أن نفكر في الصورة التي يرسمها هذا «الكليشية» الموروث الذي يغرينا به أن الجري على العادة أسهل وأقل عناء.
وقد نبتت هذه العبارات الموروثة في زمان كان زمانها - أعني أنها كانت في الزمن الذي أخرجها وثيقة الصلة بمظاهر الحياة، وكانت تحدث في ذهن مستعملها صورة تحصل بلا عناء وترتسم بغير جهد. ولكنها الآن قد امتد بها العمر إلى زمان آخر مختلف جدا ولم تبق لها تلك الصلة القديمة بحياة العصر ولسنا نحس حين نستعملها أنها ترسم لنا صورة ما.
وسألت نفسي: «وهل ثم ضرر من استعمال هذه القوالب الموروثة؟» وهززت كتفي ومططت بوزي - فعل المتردد الذي يحاول أن يهتدي أو أن يتقي التورط في رأي يجزم به. وبدا لي - وأنا أفكر في هذا السؤال - أن الضرر لا يجيء من استعمال هذه القوالب، بل من الاقتصار على استعمالها، أي دون العناية بجعل لغتنا صورة لحياتنا. ولاسيما إذا كانت قد ركدت زمنا ما - تصبح عبارة عن مجموعة من القوالب، ولكن اللغة الحية لا تزال تتسع بما يدخل فيها ويضاف إليها من العصور التي تتعاقب عليها. وحياة اللغة مستفادة من حياة أهلها ولا ذنب إذا جمدت وإنما يكون الذنب لهم؛ فإذا رأيت أناسا من أبناء عصر حديث له مظاهر حياة جديدة يكتبون بلغة قديمة في قوالبها - أي كالتي كان يكتب بها من سبقوهم بعشرة قرون أو عشرين قرنا بلا اختلاف ومن غير أن يحدثوا فيها جديدا يدل على أنهم تأثروا بعصرهم - إذا رأيت ذلك فاعلم أن هؤلاء الناس متخلفون وأنهم أشبه بالآثار الباقية منهم بالأحياء، وأن الأدب واللغة لا يكسبان شيئا بهم سوى زيادة الجمود إذا كان هذا مكسبا.
وغير منكور أننا لا نستطيع أن نفكر إلا بالألفاظ. وقد يجيء زمان يستغني فيه المرء عن الاستعانة بالألفاظ على التفكير بل أنا أومن بأن هذا الزمان لا محالة آت وان الإنسان سيستغني عن الكتابة والكلام في نقل ما يدور في نفسه من المعاني والخواطر والآراء والإحساسات إلى آخر ذلك - إلى نفس أخرى، ويكتفي بإرسال موجات يتلقفها غيره ويترجمها كما ترسل محطات الإذاعة موجاتها فتتلقفها آلات الراديو. ولكن إلى أن يجيء ذلك الزمان الذي يتيسر فيه الاتصال اللاسلكي بين نفوس الأفراد لا يسعنا إلا أن نفكر بواسطة اللفظ. فاللغة لا تزال أداة التفكير الذي لا نعرف له سواها؛ فإذا ظلت لغة من اللغات جامدة لا تتغير قوالبها ولا تتجدد ولا يدخل عليها جديد ولا يحدث فيها طريف ولا يؤثر فيها كر العصور ولا يترك فيها مر هذه العصور آثارا من حياتها فإن معنى هذا يكون أن أبناء هذه اللغة يفكرون على نحو ما كان يفكر أبناء زمان متوغل في القدم فهم يعيشون بأجسامهم في عصر ولكنهم بعقولهم يعيشون في عصر مضى وانقضى وانقرض واندثر.
Неизвестная страница