Путь Жизни
سبيل الحياة
Жанры
فقال: «حاول مرة أخرى».
فحاولت - لا مرة أخرى بل مرات، وماذا أصنع غير أن أجاريه؟
فقال: «إنك لست مريضا ولكنك نسيت الابتسام.. فقدت القدرة عليه.. هذا هو خطبك.. وأنا من الآن فصاعدا لن أصف لك أي دواء لأنه لن ينفعك مثل الابتسام فاستعد القدرة عليه، وإذا عجزت عنه فما عليك إلا أن تنظر في المرآة وتتكلف الابتسام فسيضحكك المنظر لا محالة وتظل بعد ذلك تضحك حتى يوجعك رأسك وبطنك».
فقلت له: «أشكرك» قال: «لا تحسب أني أمزح حين أقول أنظر إلى المرآة لتضحك، فلست أقصد إلى النكتة وإنما أنا أعني ما أقول. وأنا أيضا إذا أعياني الابتسام أفعل ذلك. إن ابتسامة أو ضحكة واحدة تستطيع أن تغير الحالة النفسية للإنسان كما لا يستطيع أي شيء آخر.. جرب وانظر.. قابل كل شيء بابتسامة ولو مستكرهة فإنك لا تلبث أن ترى العجب.. والآن تفضل فإن المرضى غيرك كثيرون».
خرجت من عند الطبيب في ذلك اليوم أبتسم متعجبا، وقد بدا لي أن ما سمعته منه لا يخلو من صواب. وأحسست وأنا عائد إلى بيتي أني أشتهي السمك. تعجبت فما أعرفني اشتهيت طعاما بعينه قط، وعهدي بنفسي أني آكل ما أجد وأحمد الله. فقلت خيرا وملت إلى حيث يباع السمك فأعجبتني سمكة كبيرة راقني منظرها، وإن كنت لا أدري كيف مخبرها، فإني أجهل الناس بأمور الطعام، وحملتها إلى البيت وأنا فرح بها وقلت لهم اصنعوا لنا منها شيئا فإني جوعان فبادروا إليها وأقبلوا عليها يصنعون منها ما لا أدري وهم مستبشرون بما رأوا من هذه الرغبة التي أظهرتها والتي لم يألفوها مني، ثم قالوا تفضل فتفضلت وجلست إلى المائدة معهم وهممت بأن أتناول من السمك المشتهى، وإذا بي أشعر أن الحمى مقبلة، وعراني فزعي المعهود منها فرددت يدي عن الطعام ونهضت إلى السرير وقلت هاتوا شربة، فجستني أمي ونظرت إلى وجهي الممتقع ونظرتي التي ارتسم فيها الفزع والأسف والألم وقالت: «يا بني ما هذا الحال ... لست أدري بك شيئا» قلت: «إنها الحمى آتية لا ريب فيها هذه المرة؛ وإني لأجد صهدها من بعيد كأني أتقلب على اللهب» فهزت رأسها آسفة وجلست على كرسي جانبي وتركتني لخواطري وأوهامي، ومضت دقائق وأنا أفكر في هذا الحال فبدا لي أن من سخر الأقدار أن أشتهي طعاما لأحرمه، وتذكرت نصيحة الطبيب وخطر لي أن هذه القدرة على السخر تستحق الإعجاب، وأن في وسع الإنسان أن يكبر الناحية الفنية في تصاريف الأقدار وإن كان يألم ويتوجع بل في وسع الإنسان أن يجرد من نفسه شخصا ثانيا ينظر نظرة فنية إلى المقادير غير الشخص الذي يتوجع لوقعها، وسألت نفسي: أليس هذا الذي حدث لي شبيها بالفصول التي يعابث بها الإخوان بعضهم بعضا ليضحك العابث مما يقع في صاحبه.. ثم يضحك الذي كان غرضا لهذا العبث حين يعرف حقيقة التدبير.. ولم لا أنظر هذه النظرة إلى سخرية الأقدار.. لم أتهمها بالقسوة.. ولا أقول أنها تلاعبنا وتعابثنا ولكنا لا نفهم مرادها فنحسب مزاحها جدا ونروح نتألم.. وخيل إلي أن من غير المعقول أن تعني الأقدار بأن تحرمني من قطعة من السمك أشتهيها. وما قيمة سمكة آكلها أو لا آكلها عند الأقدار حتى تصدني عنها.. ولم لا أقابل هذا المزح بالروح التي تناسبه.. وإذا كنت لا أستطيع أن أتبسم مسرورا فإن من الواجب أن أتبسم مكلفا محافظة على أصول المزاح.
وابتسمت - أعني أني رسمت ابتسامة على فمي وتركتها هناك تشبثا بها وإصرارا عليها. ورأت أمي ذلك فعدتها بشرى وقالت: «أحسن» قلت وقد شعرت بالخجل «نعم» قالت «ألا تأكل الآن» قلت «ليس الآن» قالت «قم بنا إلى مدينة الفسطاط فإن الجو الآن جميل» فوافقت وقمنا جميعا - النساء كبارهن والصغار، والخدام والأطفال وأنا. والطريق إلى الفسطاط خال فأرسلنا أنفسنا على السجية وجعل كل من شاء يجري أو يضحك كما يشاء فأنعشني الهواء وأضحكتني بعض المناظر، فلما بلغنا الفسطاط كنت أحس أني أتضور، وكانت أمي قد قدرت ذلك فأرسلت من يسبقنا بالطعام فأكلنا هنيئا.
صرت بعد ذلك كلما عاودني مثل هذا الحال لا أستسلم له بل أبتسم كما أمر الطبيب. ولا أرقد على السرير كما كنت أصنع، بل أتناول العصا وأذهب أمشي بسرعة حتى يذهب عني البأس ويخرج مع العرق المتصبب فاستطعت بعد قليل أن أستغني عن طب الأطباء وجرعهم وحقنهم.
وجرت فائدة الابتسام وفضله في التداوي فصارت قاعدتي أن أبتسم لكل شيء لأرى ما يكون، فما لبثت حياتي كلها أن تغيرت فقد كنت حاد الطبع سريع الغضب، فصرت أراني إذا ابتسمت لما يغضبني يزول عني الغضب وأشعر بسكينة غريبة، وأحس أني أستطيع أن أفكر بهدوء وأن أضع نفسي في مكان الذي أغضبني وأنظر إلى ما فعل من ناحيته هو فأعذره، وإذا أصابني ما أكره وابتسمت له أرى وقعه يخف وأمره يهون جدا ولا أجد ما كنت أجد قديما من مرارة السخط أو لذع الألم فكأن الابتسام مهلة تمنحها النفس وتمنعها أن تنساق أو تندفع أو تتسرع فيما تستجيب به لوقع الحوادث.
فمثلا - أحس أني أوشك أن أتنهد أسفا على شيء فاتني أو حرمته، فأبادر إلى الابتسام وأراني أحدث نفسي بأن الأسف على شيء فات لا معنى له لأنه فات وانتهى أمره ولن يرده نفس طويل يرتفع له الصدر كالموجة العالية، وإذا كنت حرمت شيئا فما حرمت كل شيء وليس الذي حرمته بالشيء الذي تستحيل الحياة بدونه وليست الحكمة في المغالاة إنما الحكمة أن يدرك المرء القيمة الحقيقية لكل شيء فلا يعدو بشيء مكانه ولا يجاوز به قيمته. وتنتهي هذه النجوى بأن تذهب الرغبة في التنهد وكل ما ينطوي عليه من الأسف والشعور بالخيبة أو الحرمان أو غير ذلك.
ويسؤوني فعل صديق أو قوله فتحدثني نفسي أول ما تحدثني بأن أكر عليه بمثل ما قال أو فعل، ولكني أبتسم أولا فيتغير مجرى خواطري واتجاه إحساسي وأراني أقول لنفسي «من الذي قال إن هذا الصديق أساء بالفعل أو القول ...
Неизвестная страница