فهي دائما تكون مزدحمة. انتظرت حتى جاءت سيارة تسير مائلة من الزحام. شققت طريقي بصعوبة إلى باب الدرجة الأولى، حاشرا نفسي بين الصاعدين. وكانت هناك فتاة صغيرة تحاول النزول، ورأيت الشاب الذي يتقدمني يمد يده ويعتصر ثديها في وحشية. شرع الأوتوبيس يتحرك والفتاة تحاول النزول بلا فائدة والشاب يعتصر صدرها، وبدا الرعب على وجهها وصرخت قائلة إنها تريد أن تنزل، ثم بكت. نجحت أخيرا في أن تمر من الشاب، فاستدار خلفها ومد يده إلى ظهرها، وكنا جميعا نتطلع إلى وجهه الوادع وإلى وجه الفتاة المرعوب. ووقفت في الزحام الشديد أتصبب عرقا وقد تهدل قميصي. ولم تكن هناك غير امرأة واحدة على مبعدة لكنها كانت محاصرة، وكان الجميع يتبادلون النظرات. ازداد الزحام وأشعل أحدهم سيجارة. شعرت بالاختناق فقررت النزول، وشققت طريقي بصعوبة إلى الباب، وشعرت بيد تلمس ساقي من الخلف، وأردت أن أمد يدي لأطمئن على حافظة نقودي الفارغة إلا من بعض الأوراق فلم أستطع من الزحام. بلغت الباب أخيرا ونزلت بعد أن خرج قميصي تماما من البنطلون وطار أحد أزراره. وجدت أن حافظة نقودي قد ضاعت. تأكدت من القروش القليلة في جيب بنطلوني، ثم ساويت ملابسي وعبرت الطريق. أخذت الأوتوبيس القادم من الناحية الأخرى لأعود من حيث أتيت، ووجدت مقعدا فارغا فارتميت فوقه. نزلت في شارع
رمسيس
وعدت أدراجي إلى المترو فركبته. لم يكن هناك مقعد فارغ وكنت أتمنى أن أجلس. وقفت في الفراغ الذي يفصل بين صفوف المقاعد واستندت بظهري إلى نافذة. كان سقف العربة واطئا والنافذة المقابلة تحت مستوى عيني، ولم أكن أرى من مكاني سوى الشقوق الصغيرة في فتحة التهوية المثبتة فوق الباب المغلق، ولم يكن بوسعي أن أرى شيئا مما في الخارج. وفيما مضى كنت أحب أن أجلس بجوار النافذة في اتجاه انطلاق المترو وأترك وجهي للهواء العنيف، وأتابع الشوارع والناس ونحن نمر بها بسرعة خاطفة تفصلنا عنهما قضبان الحاجز الذي يمتد بطول شارع
رمسيس ، ثم نختفي في النفق، وتمر لحظات من الظلام الدامس يكون فيها جدار النفق قريبا للغاية من النافذة، ويكون بوسعي أن أمد يدي وألمسه، ثم ينتهي النفق وتبدأ الأرض في الصعود تدريجيا ويبطئ المترو سيره حتى محطة
منشية البكري ، ثم بعد ذلك المحطات المتقاربة بين أشجار شوارع
مصر الجديدة . توقف المترو في محطتي ونزلت. اخترقت الشارع الذي تقع به السينما لأرى ما تعرضه في المساء، ثم انطلقت إلى المنزل. أخذت من البقال زجاجة بيرة على الحساب، ووجدت أخي في حجرته نائما. وضعت الزجاجة في الفريزر، ثم وضعت قطعة لحم على النار وعدت إلى الحمام. استحممت وشممت رائحة احتراق اللحم. أسرعت إلى المطبخ وأنزلت المقلاة. كانت قطعة اللحم قد أوشكت على الاحتراق واسودت تماما. أعددت السلاطة، ثم أخرجت زجاجة البيرة وشربتها. كانت قطعة اللحم صلبة كالخشب. أشعلت سيجارة، ثم دخلت حجرتي وأغلقت الباب خلفي بالمفتاح. جذبت حقيبتي من تحت السرير. فتحتها وبحثت في أرجائها تحت الكتب والملابس. أخرجت بعض الصور العارية ووضعتها على الفراش، ثم أغلقت الحقيبة وأعدتها إلى مكانها. نزعت ملابسي كلها حتى أصبحت عاريا تماما واستلقيت على الفراش.
الفصل التاسع
أحسست
أن وسطي سينكسر. كانت شفتاها جافتين، ورأيتها تدير وجهها بعيدا وتبلل شفتيها بلسانها خفية، وكنا نسبح في العرق، ولم أتمكن من الاستمرار فابتعدت عنها وتمددت على ظهري ألهث. قالت في عنف: فيم كنت تفكر؟! قلت: لا شيء. ثم قلت: أنت أيضا كنت تفكرين. بحثت عن علبة السجائر في الظلام وأشعلت سيجارة أخذت منها نفسين، ثم أعطيتها لها وقلت: لقد تغير شيء بعد عودتك من
المنصورة . قالت: لم يتغير شيء. وجذبتني نحوها. أخذت سيجارتها وأطفأتها، وعدنا من جديد، وفي هذه المرة كانت تتألم. ابتعدت عنها، وشرعت تبكي في سكون. قالت إن رحمها تالف بسبب حادث قديم، وإنها كانت دائما تتألم. وقالت إن
Неизвестная страница