بصارم عدله كم بت جورا
وأحيا لانتصار الحق شرعا
ولست أشك في أن سعادة الأمير استطاب هذا الثناء، وأجزل لقائله العطاء، فحركت مواهبه قريحة شاعره، فراح يفتش عن نول آخر ينتج عليه فتطاول إلى الحريري وبديع الزمان؛ فدبج لسيده المقامات، كما نظم القصائد، ليريه أن في دولته على صغرها من يعنو لهم النثر كما يطيعهم الشعر. كتب مقامات، بلغة ضعيفة طبعا، ولكن فيها جدا وهزلا هما من طبع هذا الشاعر، وأشهر مقاماته تلك التي سماها «المقامة الديرية» كتبها طالبا من الأمير دارا يسكنها؛ فراح يتخيل فيها ما استطاع حتى أخرجها بصورة حلم أبصره في نومه، ثم عبره في ختام تلك المقامة الطويلة كما يأتي: فقال المعبر:
أما حدوث الزلزال، وقلقلة الجبال، وهياج الرياح، وقيام الصياح، فهذا دليل على ما بك من البلوى، لعدم المأوى، وأما ارتفاعك في اللجج، وقطع الآمال من الفرج، فهذا دليل نهاية النحوس، واضمحلال البئوس، ورؤياك لذلك النير الساطع، ذي السيف القاطع، هو عبارة عن ذلك الملاذ المفخم، والأمير المعظم، بشير السلام، وشهاب الأنام، أما ما أصبت منه من المنزلة، والهبة الجليلة المكملة، فدليل على حلولك في قطره الزاهر، وحماه الباهر، المعروف بدير القمر، المنظوم في سلك عدله الذي اشتهر. وستعطى أرضا خلية، تبني لك بها دارا سنية، وبالقرب من قبة الشربين، فهذا ما رأيته باليقين.
بهذه البراعة الفنية تملك الشاعر دارا كما اشتهى، وكان كلما ازداد من مولاه قربا ازداد براعة طلب، فاسمع كيف يطلب منه شروالا وعمامة:
وشروال شكا عتقا وأمسى
يراودني العتاق فما عتقت
وكم قد قال لي: بالله قلني
وهبني كنت عبدا وانطلقت
أما تدري بأني صرت هرما
Неизвестная страница