Пионеры современного Ренессанса

Марун Аббуд d. 1381 AH
152

Пионеры современного Ренессанса

رواد النهضة الحديثة

Жанры

كأنها بي لم تسمع ولم ترني

والمراش شاعر غزل قبل كل شيء، ولهذا كثرت قصائده في «حال الحب». وتأتي حال البغض فلا يجود عليها بشيء من شعره، ولكنه يرى البغض مدمرا كما يرى الحب معمرا، ويختم هذه الحال بهذه العبارة: فلا ريب إن البغض آفة الكل والبعض.

ويظل ينتقل من حال إلى حال إلى أن يختم الكتاب بأحوال تجعل من المراش الأديب عالما وفيلسوفا، ولا عجب أن يلم بكل هذا من رحل إلى باريس في طلب العلم في ذلك الزمان الصعب القاتم.

وإذا كان لم يخطر ببالك خليل الخوري الذي تقدم ذكره، فعد إليه وقابل بين الشاعرين؛ لترى بينهما أقرب النسب. وإني أظن - وإن قيل بعض الظن إثم - أن المراش لم يقصد إلا زميله خليل الخوري، حين قال ما مر بك في ذم الألقاب والرتب ... (2-3) غابة الحق

كتاب يكاد يكون قصة. طالب فيه مؤلفه بالحرية لجميع البشر حتى العبيد . دعا فيه إلى السلام دعوة صارخة، ولكن هل سمع العالم دعوة غيره ليسمع صوته؟ وكل ما يقال هنا هو أن الأديب قد أدى رسالته، ورفع الصوت جهرة يوم كانت أعاصير الاستبداد تجتاح الكون، وحين كان ذكر الحرية، بله المطالبة بها، جريمة لا تغتفر. ولكن الكاتب اللبق عرف كيف يرفع عقيرته مطالبا بحرية الإنسان في عهد سلاطين بني عثمان.

فالمراش شاعر كاتب خيالي من الطراز الأول، ألف كتابه «غابة الحق» على نسق رؤيا يوحنا؛ جعل القصة حلما ابتدأ في مطلعها، وانتهى في ختامها، وإذا طالعت هذا الكتاب تعرف أن أسلوبه - وإن كانت عبارته كثيرة الخطأ - قد اتبع زهاء نصف قرن حتى تأثر به الكثيرون من أدباء القرن العشرين.

تخيل المراش أنه يستعرض دول الأرض منذ البدء، رآها في فجر التاريخ دولا عمرانية، ثم استحالت دولا غازية فاتحة تتقاتل على حطام الدنيا وتتناحر؛ فيسلب الغالب المغلوب، وبعد هذا العرض قال: «وانفتح لبصيرتي باب رحب مكتوب على قنطرته «العقل يحكم»، ومنه عاينت وراء هذا الباب برية فسيحة جدا، ولاح لي عن بعد بيرق يخفق متقربا، فوضعت نظارة الاختبار، وأمعنت النظر فرأيت مكتوبا به «العلم يغلب»، وظهرت حينئذ من ورائه جيوش التمدن الزاهر ممتطية متون الاختراعات العجيبة، والمعارف الكاملة، وهي تخطر متموجة بأنوار أسلحة الحكمة والعدل، متدرعة بدروع الحرية الإنسانية.»

ثم رأى ممالك الظلام تندحر أمام الحكمة والعدل والحرية، فمدت دولة العدل سلطانها وقوتها على كل بقعة ومكان، وعم السلام أقطار المسكونة.

ثم رأى الشاعر - في نومه طبعا - عرشين منصوبين قرب صخرة ينبثق منها غدير، على العرش الأول يجلس جبار معتقل سيفا ذا شفرتين - كأنه ذو الفقار - وعلى رأسه تاج مكتوب على إكليله: «يعيش ملك الحرية»، وإلى جانبه على العرش الآخر امرأة على إكليلها الذهبي سطر من أحرف نارية: «تحيا ملكة الحكمة.»

ها هو ذا ملك الحرية غضبان يتوعد مملكة العبودية بالاجتياح والتخريب، وها هي ملكة الحكمة تطايب زوجها وتداوره، وفيما كان الحوار على أشده إذا بقائد «جيش التقدم» ووزير «محبة السلام» يقبلان، وقد أتم كل منهما ما عهد به إليه، قاتل «السلام» البغض حتى استظهر عليه بسلاح التعليم والتربية، وبعد محاورة بين الملكين وقائديهما قر الرأي على هذه الكلمات الحكيمة: «الظالم يرتد وجعه على رأسه، وعلى هامته يهبط ظلمه.» فخير سجايا الإنسان محبته للسلم، ونفوره من الحرب والخصومات؛ فبالسلامة تنمو الهيئة الاجتماعية، وتتسع دائرة تقدمها بالثروة والمعارف والآداب، وبالسلامة تخصب الحقول، وتعطي الأرض غلتها، وتجود الفلاحة ويكثر الحصاد، وبالسلم تعمر البلاد والقرى، وتتسع التجارة التي يقوم عليها مدار الاشتراك مع العالم كافة. وبالحرب تنقطع الشعوب عن مشاركة بعضها بعضا.

Неизвестная страница