يكره التفريط في لغة الأجداد، ويزعم أن الأدب الجديد إنما هو متاع إلى حين، فهو لا ينحط على قصيدة من قصائد اليوم إلا ويراها خاوية على عروشها، بالغة من الهزال النهاية، ذلك أنه لا يريد شعرا عرفه الخيال وطيبته الرموز، ولو قدر له أن يرد على اللغة فطرتها لأعادها سيرتها الأولى.
قال لي يوما إنه دخل متحف اللوفر في فرنسا ليشهد روائع الفن، فأعيته سليقته القحطانية عن تفهم الرموز في تلك الأشباح، فرد على عقبه.
ومعظم أدب اليوم يغني فيه الخيال والرمز إلى جانب السليقة والعاطفة والفن، فلا غرابة إذا ضربت عليه المسكنة في عرف الشيخ «أمين».
ولكن الأمر الذي يدهشنا في عقيدة الشيخ الشاعر هو أنها لا تمت بصلة إلى شعره الذي يرين عليه الخيال وتجمح فيه العاطفة الرمزية، إذن فلقد كان عليه وهو الذي فتح في الخيال والصورة فتحا أمكنه من ناصية الشاعرية الخالدة، الشاعرية التي تمشي وشاعرية اليوم في حلبة واحدة، بدليل هذين البيتين المثقفين:
زعموها حربا يصان بها الحق
وأخفوا حقيقة في الفؤاد
مثلما تنثر الزهور على النعش
لتخفي ما تحته من فساد
كان عليه ألا ينظر إلى الأدب الحديث نظرته هذه، وأن ينزل رجاله العاملين المنزلة التي يسرتها لهم الثقافة، والتي لم يترقوا في قمتها إلا على مسالك دامية أكلت من أفلاذهم، وشربت من دموعهم.
إن الشيخ «أمين تقي الدين» يعرف هذه الحقيقة، ويعرف أن نبوه عنها إنما هو متاع إلى حين.
Неизвестная страница