وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
فأدركت ما يجول في خاطره وأية فكرة كدرت عليه صفاء الغروب في ذلك اليوم من ربيع 1925، فلم أجد كلمة أعينه بها على ما به أفضل من قول «الطغرائي»: اصبر لها.
فهز رأسه وصمت ... وصمت! وإني لأعرف به اكتئابا حتى انصرفت عنه.
أمين تقي الدين
حسن الأمة، تغشى وجهه شحوب جميل يتحير بين لوني الفجر والصباح، وتملت مقلتيه العربيتين عذوبة صوفية تبتلت إليه ملاوة من الدهر ولما تزل.
حمل من عسف الزمن أوزارا ثقالا، وقد يكون سبب ذلك أنه آوى إليه صدق الضمير فلم يتمن يوما ولم يدهن. جبل من صعيد طيب، فهو صورة الله في خلقه، وقليلا ما يقع الصديق في خلائف الأرض على صديق مثله.
تجلس إليه فترى على أديمه الجميل ظلا من جمال النفس، فكأن جسده ونفسه نجما من سلالة واحدة، أما حديثه فلا تغشاه غبرة من التكلف، فهو حديث النفس المرسلة على فطرتها، وما أجمل الفطرة التي لا تستغشي في نفس الأديب غير ثوبها.
وتجلس إليه - وقد لا يقدر لك أن تجلس إليه إلا إذا اتسق لك جانب من الأدب - فلا تلبث أن تحس في نفسك بميل إلى عذوبة فيه لا تعلم أيا من عروقه أوعاها في دمه، على أنك لا تجدك إلا وقد أخذت بما يسلكه فيك من سحر الكلام في مساغه، ولا تشعر بصوتك إلا وقد خشع له وسكرت أبصارك إلا عليه.
علت به السن إلى الخمسين، إلا أنه ما برح يمسك بعصم الشباب وطلاقته. ندي الكف، يستوي الكرم مع يده في أعالي مجاليه، وقد يكون الكرم شر ما به، وهو القائل في شعره:
Неизвестная страница