Рум
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Жанры
وأما أثناريكوس فمضى بجماعته واحتل جبال البنات في المجر.
وقد رأى والنس الإمبراطور في من انحاز إليه من القوط عنصرا طيبا وأداة فعالة لتقوية الجيش ولا سيما فرقة الخيالة؛ فقبل مطلبهم أن يدخلوا الحدود، فعبروا الدانوب خمسين ألفا، وما إن فعلوا وألقوا سلاحهم حتى شعروا بالفاقة وقلة المأكل، فاستعادوا سلاحهم بالرشوة وجالوا في البلقان ينالون قوتهم بالقوة، ووقعت اصطدامات عنيفة هنا وهنالك، فأضمر الرومان السوء ودعوا الزعيمين القوطيين في مطلع السنة 377 إلى مأدبة فاخرة في ماركيانوبوليس وحاولوا اغتيالهما، فنجا فريتيغرن بخدعة محكمة واندلعت نيران الحرب بين الفريقين في كل مكان، ولم يقو الجيش الروماني المرابط في البلقان على ضبط الموقف، فاستقدم والنس نجدات من الشرق القريب، وأمده غراتيانوس ابن أخيه ببعض الكتائب، ثم قام هو بنفسه على رأس الجيش الغربي لإعانة عمه، ولكن والنس تسرع فنازل فريتيغرن قبل وصول غراتيانوس، وذلك في الثامن من آب سنة 378، وعلى مقربة من أدريانوبوليس، فاكتسحت الموقف خيالة القوط، وخر والنس في ساحة القتال صريعا، وقيل إنه أحرق حرقا، وغشي القوط الريف كله ولكنهم لم يتمكنوا من إخضاع المدن المحصنة لنقص في العتاد.
ثيودوسيوس الكبير
وعظم الأمر على غراتيانوس وهاله، فاستدعى إليه ثيودوسيوس أشهر القادة وأمهرهم في الحرب، وفاوضه في أمر القوط وطلب إليه أن يتناسى ما كان قد لحق به وبوالده قبله من شر وضيم، ورفعه إلى منصة الحكم ونادى به إمبراطورا على الشرق، وكان ثيودوسيوس حسن القد، رشيقا، أشقر الشعر، أزرق العينين، أشرف الأنف، يشبه تريانوس ويدعي الانتساب إليه، وكان أيضا عالي النفس، رفيع الأهواء، يكثر من مطالعة التاريخ الروماني، ويحس الواجب القومي أيما إحساس،
9
فتقبل التاج في سرميوم في التاسع عشر من كانون الثاني سنة 379، وهب للقتال فأوقع بالقوط - فيما يظهر - ضربات أولية متتالية، ثم رأى أن لا بد من الاستيلاء على ثيسالونيكية لتأمين الزاد والعتاد الورادين من مصر والشرق، فاشتق طريقه إليها ووصلها في أوائل حزيران واستقر بها. وكان في أثناء هذا كله يتشاطر جنوده المشقة كأنه واحد منهم، ويعنى بتنشيطهم وتشجيعهم، ويؤمن راحتهم، فأحبوه واندفعوا في سبيله وازدادوا قوة ومناعة.
ورأى الإمبراطور أيضا أن يقوم بحملة عسكرية يصل بها إلى الدانوب، فيهول على أعدائه ويفاوضهم في الوقت نفسه، إذا وافقت الظروف، فوصل إلى أسكوب في السادس من تموز، وإلى فيقوس أوغوسطة في الثاني من آب، ولكنه عاد إلى ثيسالونيكية لتمضية فصل الشتاء، وفي شباط السنة 380، انتابه مرض عضال أشرف به على الموت، فطلب الاعتماد ليغسل جميع ذنوبه قبل ملاقاة ربه، وتعمد على يد أخوليوس أسقف ثيسالونيكية عمادة نيقاوية أرثوذكسية، ثم تماثل وتعافى، فعاد يعالج مشكلة الجيش، فأمر بتجنيد الفلاحين والعمال، وبملاحقة أبناء الجنود المختبئين في مكاتب الدولة، وبإنزال أشد العقاب بمن يقطع إبهامه للتخلص من خدمة العلم. وأمر كذلك بمن كان قد دخل في الجيش من القوط أن ينقل من البلقان إلى الشرق، وباستبدال هؤلاء بجنود شرقيين يحلون محلهم في البلقان.
وقامت فرقة من الجنود القوط إلى الشرق، فعبرت المضايق ووصلت إلى ليدية، ولكنها اشتبكت فيها مع فرقة شرقية كانت قد قامت من مصر لتحل محل الفرقة القوطية أو غيرها في البلقان، وفيما كان ثيودوسيوس يعد العدة على هذا النحو، تنافر القوط في البلقان وتنازعوا، واشتد الخصام بين جماعة أثناريكوس وجماعة فريتغرن ، وتوفي فريتغرن في صيف السنة 380، فخف القتال في جنوبي البلقان، وجاء غراتيانوس إمبراطور الغرب في الوقت نفسه إلى سرميوم وفاوض القوط في الشمال وهادنهم على أن ينتظم أبناؤهم في خدمة الجيش الروماني في مقابل تقديم الزاد اللازم للعشائر، فهدأت الحال وقام ثيودوسيوس من ثيسالونيكية إلى القسطنطينية فدخلها دخول المنتصر في الرابع والعشرين من تشرين الثاني سنة 380 وجعلها مقره الرسمي.
وفي الحادي عشر من كانون الثاني 381 أطل عليه في القسطنطينية أثناريكوس نفسه مقصوص الجناح أشل الساعد لما كان قد حل بجماعته من الشقاق والخصام، فرحب به ثيودوسيوس وبجله وعظم قدره، ولكنه توفي في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، فأمر الإمبراطور بدفه دفنا ملوكيا، وفي هذه السنة نفسها وصلت طلائع الهون إلى الدانوب فردها القوط ببسالة ورباطة جأش. وشعر الطرفان - القوط والرومان - بخطر الهون، فباتا أكثر استعدادا للوصول إلى تفاهم دائم بينهما، فأرسل ثيودوسيوس في صيف السنة 382 القائد ساتورنينوس إلى القوط في الشمال ليفاوضهم في أمر الصلح، وكان ساتورنينوس من طراز ليبانيوس وغريغوريوس النازيانزي دمث الأخلاق وديعا معتدلا رزينا، فأقره القوط على مطالبه ووقع الطرفان في الثالث من تشرين الأول معاهدة صلح دائمة، وأهم شروط هذه المعاهدة أن الإمبراطور الروماني أذن بإقامة دولة قوطية بين الدانوب وجبال البلقان، شرط أن تبقى حصون هذه المنطقة رومانية. وتعهد بتقديم معونة مادية في مقابل انخراط القوط في الجيش الروماني، والواقع الذي لا مفر من الاعتراف به هو أن ثيودوسيوس آثر، بعد هذا، العنصر القوطي الألماني على غيره من العناصر في تعبئة جيشه، فغدا الجيش ألمانيا مع مرور الزمن بعد أن كان رومانيا صرفا في أيام الفتوحات.
المجمع المسكوني الثاني
Неизвестная страница