Рум
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Жанры
ثم بعد سنة وجد نفسه في ميلان مرة أخرى؛ لينظر - هذه المرة - في أمر الدوناتيين فيحكم عليهم، وفي أول آذار من السنة 317 نلقاه في سرميوم في إيليرية يعلن ابنيه كريسبوس وقسطنطين الأصغر قيصرين، وذلك في الوقت نفسه الذي أعلن فيه زميله ليكينيوس ابنه ليكينيانوس قيصرا أيضا، ونراه يتقبل - بهذه المناسبة - الحرفين اليونانيين «خي» و«أيوته» فيأمر بنقشهما على خوذته في النقود الصادرة عنه، وهذان الحرفان هما مونوغرام السيد المسيح باليونانية، وفي السنة 326 بعد تغلبه على زميله ليكينيوس، نراه يتخذ لنفسه علم اللباروم الشهير المشار إليه آنفا، فيظهر على رأس هذا العلم المونوغرام المسيحي المذكور.
مجمع نيقية
وعلى الرغم من هذا كله استمرت سياسة الدولة الرومانية الدينية، هي نفسها التي أقرت في ميلان سنة 312 سياسة تسامح وتساو بين جميع الأديان، واستمر الإمبراطور قسطنطين حبر الدولة الأعظم يرعى جميع الأديان بالتساوي والتسامح، وهكذا نراه يعلن لجميع الرعايا بعد انتصاره على خصمه ليكينيوس أنه وإن يكن قد انتصر بمعونة إله المسيحيين، فإنه لا يكره أحدا أن يذهب مذهبه، وأن لكل من رعاياه أن يتبع الرأي الذي يراه.
10
واختلف الأحبار المسيحيون في هذه الآونة واختصموا، واتصل خلافهم بالقساوسة والرهبان والأفراد، فاضطر قسطنطين الكبير أن يتدخل في الأمر؛ لأنه كان حبر الدولة الأعظم ورأسها فمن واجبه أن يحافظ على الأمن وحرية العبادة. ثم إنه كان يعطف على النصرانية ويعترف بفضل إله النصارى - كما أشرنا - وكان قد سبق له مثل هذا عند ظهور الدوناتية في أفريقية، ولكن الانشقاق الذي أدى إلى تدخله الشخصي هذه المرة كان أشد خطرا بما لا يقاس مما حدث في ولاية أفريقية، فإنه حادث هدد السلم في الولايات الشرقية.
وتفصيل الأمر أن آريوس
Arius
أحد قساوسة مصر وراعي كنيسة بوكاليس فيها، قال بخلق الابن وخلق الروح القدس، فأنكر بذلك ألوهية المسيح، وأثار عاصفة هوجاء من الانتقاد والاحتجاج شملت العالم المسيحي بكامله. ولسنا نعلم الشيء الكثير عن آريوس هذا. نجهل محل ولادته وتاريخها، كما نجهل تفاصيل فلسفته الدينية، وقد ضاعت رسائله ولم يبق منها إلا مقتطفات يسيرة جاءت في بعض الردود عليه، ولا سيما ما كتبه القديس أثناسيوس الكبير، ولولا تعلق المؤرخ يوسيبيوس به لما حفظت رسائل قسطنطين عنه. وقد يكون لما أورده القديس أمبروسيوس أهمية خاصة لأنه اطلع - فيما يظهر - على تقارير الأسقف هوسيوس الذي انتدب للتحقيق في قضية آريوس قبيل انعقاد المجمع المسكوني الأول.
وهال قسطنطين أمر هذا الانشقاق، وكان يجل أسقفا إسبانيا يدعى هوسيوس، وهو الذي سبق ذكره، وكان هذا شيخا جليلا محترما، فاستدعاه قسطنطين إليه وأنفذه إلى الإسكندرية ليتصل بحبرها ألكسندروس ويصلح الحال. وكتب إلى كل من ألكسندروس وآريوس فيها بوجوب التآلف ونبذ الخصام، وألمع إلى وجوب طاعة الرئيس، كما أشار إلى «أن الاختلاف العقائدي أمر فلسفي دقيق لا يستوجب ذلك الاهتمام.» ولكن هوسيوس أخفق في الإسكندرية وعاد إلى نيقوميذية، وقصد إليها كل من ألكسندروس وآريوس، واقترح هوسيوس عقد مجمع مسكوني يضم جميع أساقفة النصرانية للبت في قضية آريوس، فقبل الإمبراطور اقتراحه، ووجه الدعوة إلى جميع الأساقفة في الإمبراطورية الرومانية، جاعلا تحت تصرفهم وسائل النقل الرسمية، وعين نيقية مركز الاجتماع بدلا من نيقوميذية عاصمة الدولة الموقتة؛ لانحياز أسقف نيقوميذية إلى آريوس ولعطف قسطندية عليه.
ولبى الدعوة عدد غير قليل من الأساقفة، مائتان وخمسون في رواية بوسيبيوس، ومائتان وسبعون في رواية افسيتاثيوس، وثلاثمائة في رواية أثناسيوس القديس، وثلاثمائة وثمانية عشر في رواية القديس هيلاريوس، وكان معظم هؤلاء من الولايات الشرقية. ودامت جلسات المجمع سبعة وتسعين يوما بين العشرين من أيار سنة 325 والخامس والعشرين من آب من السنة نفسها.
Неизвестная страница