Дух революций и Французская революция
روح الثورات والثورة الفرنسية
Жанры
الثورية
(1) الأسباب النفسية التي أدت إلى استمرار الحركات الثورية في فرنسة
سنرى في بحثنا الآتي عن نشوء المبادئ الثورية منذ قرن أن هذه المبادئ انتشرت بين طبقات الأمة شيئا فشيئا في خمسين سنة، وقد رفضت أكثرية الشعب والطبقة الوسطى هذه المبادئ طول تلك المدة، ولم يقم بأمر إذاعتها غير عدد قليل من الدعاة، إلا أن ما لها من نفوذ، وما ارتكبته الحكومات من خطأ، كفى لإيقاد ثورات كثيرة سوف نلخصها بعد أن نبحث عن عللها النفسية.
يثبت تاريخ ما وقع منذ قرن من الانقلابات السياسية أن الناس محكومون بنفسيتهم أكثر مما بالأنظمة التي تفرض عليهم، فالثورات الكثيرة التي حدثت في فرنسة هي نتيجة نزاع بين حزبي الأمة ذوي النفسيتين المتباينتين اللتين إحداهما دينية ملكية تابعة لمؤثرات وراثية، وثانيتهما ذات صبغة ثورية تابعة لهذه المؤثرات أيضا، وقد ظهر النزاع منذ بدء الثورة الفرنسية بين تينك النفسيتين المتباينتين ظهورا واضحا، واستمرت الفتن والمؤامرات حتى نهاية دور الديركتوار على رغم ما أتى من الاضطهاد كما بينا سابقا فثارت ستون مديرية على النظام الجديد ولم تخمد جذوة الثورة إلا بمذابح كبيرة.
والتوفيق بين النظام السابق والمبادئ الجديدة هو أشد ما عانى بوناپارت حله من المشاكل، فكان يبحث عن أنظمة ملائمة للنفسيتين الفاصلتين لفرنسة، وقد نجح بذلك؛ لالتزامه جانب التوفيق، ولتسميته أمورا قديمة بأسماء جديدة.
ويعد دور ناپليون من أدوارنا التاريخية النادرة التي كملت فيها وحدة فرنسة النفسية، ولكن هذه الوحدة لم تستمر بعد سقوطه، فالأحزاب السابقة لم تلبث أن ظهرت ثانية ولا تزال باقية حتى اليوم، وبعضها متمسك بأهداب التقاليد وبعضها الآخر رافض لها.
ولو وقع ذلك الصراع بين معتقدين وأخلياء لم يدم طويلا لتسامح الأخلياء، ولكن حدوثه بين معتقدات متباينة أوجب استمراره، فالكنيسة الزمنية لم تلبث أن لبست ثوبا دينيا، وأصبح مذهبها العقلي نوعا من الكهنوتية الضيقة، وقد حققنا أن التوفيق بين المعتقدات المتباينة أمر مستحيل، فلم يظهر الكهنة يوم كان الحكم في يدهم بمظهر التسامح مع الأحرار، كما أن هؤلاء لم يبدوا أقل تساهل مع أولئك بعد أن قبضوا على زمام الأمور.
وظن كثير من ذوي النفوس البسيطة أن السنة الأولى للجمهورية هي مبدأ تاريخ فرنسة الحديثة، غير أن هذا الفكر الصبياني أخذ يتضاءل في هذه الأيام، فأشد الثوريين تمسكا يعدلون عنه في الوقت الحاضر معترفين بأن تأثير الماضي هو خلاف تأثير ذلك الدور الهمجي المظلم الذي استحوذت عليه الأباطيل.
وقد سهل تباغض المعتقدين في كل حزب قلب الحكومات والوزارات عندنا، ولا تأبى أحزابنا التي تبقى أقلية في مجلس النواب أن تتحالف ضد الحزب الغالب، فمن الأمور المعلومة أن عددا كبيرا من الاشتراكيين الثوريين في مجلس نوابنا الحاضر لم ينتخبوا إلا بمعونة الملكيين الذين ليسوا بأوسع حيلة من الملكيين أيام الثورة الفرنسية الكبرى.
ولم تكن اختلافاتنا الدينية والسياسية وحدها سبب ما هو واقع في فرنسة من الشقاق؛ بل كان لها سبب آخر، وهو اتصاف بعض رجال فرنسة بالنفسية الثورية التي من شأنها القيام في وجه أي نظام واقع ولو كان هذا النظام محققا لآمالهم.
Неизвестная страница