Дух революций и Французская революция
روح الثورات والثورة الفرنسية
Жанры
توضح قصة الديركتوار لنا قلة ما في كتب التاريخ من الصحة، وها هي ذي دار التمثيل تحيي ذكرى ذلك العهد الذي لا يزال الناس يقلدون أزياءه؛ لاعتقادهم أن الحياة رجعت فيه إلى كل شيء بعد أن انتزعت في دور الهول، والواقع أن نظام الديركتوار لم يكن أصلح من نظام الهول، فكلاهما أدى إلى سفك الدماء، وكانت عاقبة نظام الديركتوار أن ألقى في النفوس غيظا ساق المديرين إلى البحث عن سيد مطلق قادر على الحلول في مكانهم وعلى حمايتهم. (3) ارتقاء بوناپارت
ظهر مما تقدم أن أمر الفوضى والانحلال استفحل في آخر عهد الديركتوار حتى صار الناس ينتظرون ظهور رجل قادر على إعادة النظام، وفكر كثير من النواب، منذ سنة 1795، في إعادة الملكية، إلا أن تصريح لويس الثامن عشر الذي قال فيه إنه سيعيد النظام القديم بأجمعه، وسيرد الأملاك إلى أصحابها السابقين، وسيجازي أنصار الثورة الفرنسية، حول الأنظار عنه.
وبحث الناس عن قائد بعد أن تعذر إرجاع الملكية، فوجدوا بوناپارت، وقد اشتهر بوناپارت في معارك إيطالية، فبعد أن جاوز جبال الألب، ودخل ميلان والبندقية ظافرا، وجمع غنائم عظيمة زحف على ڤينة، ولما أصبح على بعد خمسة وعشرين فرسخا منها طلب إمبراطور النمسة منه الصلح.
ولم يكتف هذا الشاب بما ناله من شهرة فطمع في زيادته، فأقنع حكومة الديركتوار بأن الاستيلاء على مصر يخضد شوكة إنكلترة؛ فأبحر من طولون إلى مصر في شهر مايو سنة 1798، ولم تطل إقامة بوناپارت في مصر، فقد رجع إلى فرنسة حين استدعاه أصدقاؤه، وعم الابتهاج أنحاء فرنسة عندما بلغ الناس خبر عودته.
وقد ساعدته فرنسة على إتمام المؤامرة التي دبرها سيابس ومديران وبعض الوزراء؛ لإسقاط مجلس النواب، ونشأ فرح كبير عن تخلص فرنسة من ربقة العصابات المشؤومة التي قهرت البلاد منذ زمن بعيد، نعم، عانت فرنسة بعد ذلك نظاما استبداديا، ولكنه لم يكن شديد الوطأة كالنظام السابق.
ويؤيد تاريخ إسقاط مجلس النواب هذا ما قلناه في مكان آخر عن صعوبة الحكم الصحيح في الحوادث المعلومة التي شاهد وقوعها أناس كثيرون، فقد كان الناس منذ ثلاثين سنة يعدون ذلك الإسقاط جناية أوجب اقترافها طمع رجل يعضده الجيش، مع أن الواقع أن الجماعة التي طردت من عاند من النواب لم تكن من الجند، بل من حرس المجلس الذي فعل ما أمرته به الحكومة المستعينة بفرنسة. (4) علل استمرار الثورة الفرنسية طويلا
لو اقتصر دوام الثورة الفرنسية على الوقت اللازم لنيل ما سعت إليه من المبادئ، كالمساواة أمام القانون والسلطة الشعبية ومراقبة النفقات، لم يزد وقتها على بضعة أشهر؛ لأن هذا حصل سنة 1789 ولم يضف إليه مبدأ آخر، والواقع أن الثورة الفرنسية استمرت طويلا، فإذا نظرنا إلى المدة التي عينها المؤرخون الرسميون رأينا أنها انتهت يوم ارتقاء بوناپارت، أي بعد انقضاء عشر سنين .
ولماذا دام دور الهرج والاضطهاد أكثر من الزمن الضروري لإقامة المبادئ الجديدة؟ يجب ألا يبحث عن ذلك في الحروب مع الدول الأجنبية، وقد كانت هذه الحروب تنتهي بسرعة؛ لانقسام الحلفاء وانتصار فرنسة عليها، كما أنه يجب ألا يبحث عنها في محبة أبناء فرنسة للحكومة الثورية، ولم يوجد نظام مقته الناس وكرهوه مثل نظام المجالس، وأعرب فريق كبير من الأمة عن سخطه عليه بما قام به من العصيان، وأتى به من انتخابات كثيرة مخالفة له.
أوضح المتأخرون من المؤرخين كره فرنسة للنظام الثوري بعد أن ظل أمر هذا الكره مجهولا زمنا طويلا، وقد لخصت آراؤهم في العبارة الآتية التي نقتطفها من مؤلف جديد لمسيو مادلن بحث فيه عن الثورة الفرنسية:
قبضت على زمام فرنسة والجمهورية فئة قليلة مكروهة فصارت ثلاثة أرباع البلاد ترجو أن تنتهي الثورة أو أن تنقذ من أيدي هذه الفئة المكروهة التي بقيت مدة طويلة على رأس الأمة التعسة بما تذرعت به من ألوف الحيل والوسائل، ولما أصبح بقاؤها حاكمة لا يتم إلا بالإرهاب أخذت تقضي على من كانت تظن أنه مخالف لها ولو كان من أشد خدم الثورة الفرنسية إخلاصا.
Неизвестная страница