Дух революций и Французская революция
روح الثورات والثورة الفرنسية
Жанры
ولم يرض القائمون بالثورة الفرنسية بذلك، فجربوا تحويل الناس والمجتمعات باسم العقل، ولم يتيسر لأي مشروع من وسائل النجاح كما تيسر لمشروعهم، فقد كانت قوتهم - حينما أرادوا إنجازه - أعظم من قوة الجبابرة، ولكن الثورة الفرنسية، مع تلك القوة ومع انتصار الجيوش ومع ما سنوه من القوانين الصارمة ومع استئثارهم بالسلطة، لم تؤد إلى غير التخريب وإقامة الحكم المطلق.
ولم تخل هذه التجربة من فائدة، والتجارب ضرورية لتثقيف الأمم، فلولا الثورة الفرنسية لصعب إثبات كون العقل المطلق لا يغير الرجال وكون المجتمع لا يتجدد كما يريد المشترعون مهما كان سلطانهم عظيما. •••
ولم تلبث الثورة الفرنسية التي أثارتها منافع الطبقة الثانية أن أصبحت شعبية فحاربت الغريزة العقل، وانتهكت حرمات الزواجر التي أخرجت الإنسان من طور الهمجية إلى طور الحضارة، وقد حاول المصلحون أن ينشروا مذاهبهم باستنادهم إلى مبدأ السلطة الشعبية، وصار الشعب الذي يقوده الزعماء يتدخل في مذاكرات مجالس النواب ويقترف أشد المظالم.
وتاريخ الجماعات في ذلك الدور حافل بالفوائد، فهو يثبت خطل المشتغلين بالسياسة الذين يعزون كل فضيلة إلى الروح الشعبية.
وتدلنا حوادث الثورة الفرنسية على أن الشعب يرجع مسرعا إلى همجية القرون الخالية إذا تفلت من الزواجر الاجتماعية التي هي أساس كل مدنية وترك يسير بغرائزه، وفي كل انتصار يتم للثورة الشعبية عود إلى التوحش، ولو استمرت ثورة الكومون التي وقعت سنة 1871 لأحيت دور الهول الأكبر، وقد اقتصر رجال هذه الثورة على إحراق أهم مباني باريس عندما رأوا أنهم لم يكونوا من القوة بحيث يستطيعون قتل أناس كثيرين.
ولم تكن الثورة الفرنسية غير تصادم قوى نفسية تخلصت من القيود الزاجرة لها، وقد نشأ عن تصادم هذه القوى النفسية التي هي الغرائز الشعبية والمعتقدات اليعقوبية والمؤثرات الإرثية والشهوات والمطامع التي لا حد لها - تضريج فرنسة بالدماء، وإشرافها على الدمار.
ويلوح للناظر من بعيد أن الثورة الفرنسية كانت تتألف من مجموع تلك القوى التي لا يوجد تجانس بينها، ويجب تحليلها للوقوف على حقيقة تلك النازلة واستجلاء سر المحرضات التي حركت نفوس أبطالها، وتتوازن أنواع المنطق المختلفة - أي المنطق العقلي والمنطق العاطفي والمنطق الديني ومنطق الجماعات - في الأزمنة العادية تقريبا، وأما في أيام الفتن فإنها تتصادم وينتقل الإنسان من حال إلى حال.
ولا ننكر في هذا الكتاب ما جادت به الثورة الفرنسية على حقوق الأمم، ولكننا قلنا - مع كثير من المؤرخين - إن ما ربحناه، بعد اقتراف كثير من أعمال التخريب في أثنائها، كان لا بد من نيله مع سير الحضارة بلا عناء، وما أعظم ما أصابنا من خسارة مادية وانحلال أدبي لكسب زمن قصير! ولا يتم إصلاح هذه الأمور الطارئة على سلسلة التاريخ إلا بالتدريج، ولم يحقق هذا الإصلاح حتى الآن.
ويظهر أن الشبيبة الحديثة تفضل العمل على الفكر، وهي تستخف بمجادلات الفلاسفة العقيمة، ولا فائدة في الآراء الفارغة التي تدور حول أمور لا يزال جوهرها مجهولا، حقا إن العمل أمر محمود، ولكنه لا يفيد إلا إذا وضع في محله.
والعمل يكون مضرا إذا احتقر الحقائق وسعى في تحويل مجرى الأمور بعنف، والفرق عظيم بين تجربة يكون موضوعها المجتمع وتجربة يكون موضوعها ما في المختبر من الآلات، وما أتينا به من الانقلابات يدلنا على شدة ما ينشأ عن الأغاليط الاجتماعية من المصائب.
Неизвестная страница