Дух революций и Французская революция
روح الثورات والثورة الفرنسية
Жанры
وتبدو أهمية هذا التقسيم عند الاستعانة به على تفسير المعتقدات التي ذكرها التاريخ، فمع أن جوپيتر وفيشنو وغيره من الآلهة خيالات من الجهة العقلية كان شأنها عظيما في حياة الأمم، وكذلك كان شأن المعتقدات التي سادت القرون الوسطى وحنت ظهور ألوف الناس أمام الهياكل، ومن هو في شك من هذا فليقابل بين تغلب الدولة الرومانية وتغلب الكنيسة؛ فقد كان تغلب الرومان ملموسا لا ريب فيه، وكان تغلب الكنيسة قائما على أسس وهمية، إلا أنه اتفق لتغلب الكنيسة من السلطان القوي ما اتفق لتغلب الرومان، ففي القرون الوسطى المظلمة نالت به الأمم الهمجية ما لا تقوم حضارة على غيره من الروادع الاجتماعية والروح القومية، ويثبت هذا السلطان الذي نالته الكنيسة قدرة بعض الأوهام على إيجاد مشاعر مخالفة لمنافع الفرد والمجتمعات كالرهبانية، والحروب الصليبية، وحروب الدين ... إلخ.
وإذا عرضنا الملاحظات السابقة على المبادئ الديموقراطية والاشتراكية ظهر لنا أن نجاح هذه المبادئ لا يتطلب قيامها على أساس متين، وإنما يكفيها أن تبسط سلطانها على القلوب.
ومن الخطأ أن يكلف دعاة المذاهب الجديدة أنفسهم عناء البحث عن أساس عقلي يفسرون به أمانيهم، فتأثيرهم يكون أتم وأكمل إذا اقتصروا على التوكيد وبث الآمال، وما قوتهم إلا في النفسية الدينية الملازمة قلب الإنسان، والتي لم تغير سوى المواضيع في مختلف الأجيال، وقد قلنا، عندما تكلمنا عن الكنيسة في القرون الوسطى، إنها قدرت على التأثير في نفوس الناس، فعندما يتحقق شيء من آمال المذاهب الديموقراطية نرى أن سلطانها لا يكون أقل من سلطان الكنيسة في القرون الوسطى. (2) الروح اليعقوبية والنفسية التي نشأت عن المعتقدات الديموقراطية
لم يقتصر ميراث الأجيال الحديثة على المبادئ الثورية، بل اشتمل على النفسية التي أوجبت انتصار هذه المبادئ أيضا.
وقد وصفنا هذه النفسية عند البحث في الروح اليعقوبية، فأثبتنا أنها تميل إلى إكراه الناس على قبول أوهامها التي عدتها حقائق، ولم تلبث الروح اليعقوبية أن عمت فرنسة والبلدان اللاتينية الأخرى، فاستحوذت فيها على أحزابها، ومنها الأحزاب المحافظة.
ونتيجة انتشار الروح اليعقوبية هي حمل الناس على المبادئ السياسية والنظم والقوانين قسرا، وهذا هو السر في أن المذهب النقابي - الذي هو سلمي ومنظم في البلاد الأخرى - لم يلبث أن نهج عندنا نهجا فوضويا متجليا في صورة اضطرابات وتحريق وتخريب.
وإذا استولى الخوف على الحكومات، فلم تكبح جماح الروح اليعقوبية، أفسدت هذه الروح أصحاب العقول الصغيرة، فلما وافق ثلث المندوبين في مؤتمر المعدنين الأخير على سياسة التخريب قال أحد كتاب المؤتمر: «أهدي إلى كل من يعمل بسياسة التخريب من العمال سلامي الأخوي وإعجابي القلبي».
وتوجب هذه الذهنية العامة زيادة الفوضى في البلاد، وإذا لم تكن فرنسة الآن في ثورة مستمرة فذلك لما هو واقع بين أحزابها من توازن، نعم، إن كل حزب فرنسي مفعم من الحقد الشديد على الأحزاب الأخرى، ولكن لم يملك واحد من هذه الأحزاب قوة كافية لإخضاع غيره.
وقد سارت الروح اليعقوبية في البلاد مسيرا جعل حكامنا أنفسهم يتذرعون بأشد الوسائل الثورية لقهر خصومهم، فاضطهدوا هؤلاء الخصوم وجردوهم من أموالهم من غير أن تحتج الأحزاب على ذلك، وما أشبه سير حكامنا في الوقت الحاضر بسير الفاتحين في القرون القديمة حين لا أمل للمغلوب!
إذن، ليس عدم التسامح خاصا بالعوام، بل يشاهد عند ولاة الأمور أيضا، وقد لاحظ ميشله - منذ زمن طويل - أن استبداد المتعلمين أشد من استبداد العوام في بعض الأحيان، ولا ريب في أن المتعلمين لا يكسرون المصابيح، ولكن لسرعان ما يسهل عليهم ضرب الرقاب، فالمتعلمون والأساتذة والمحامون، الذين ظن أن ما نالوه من التهذيب المدرسي ألان طباعهم هم الذين اقترفوا أشد المظالم أيام الثورة الفرنسية، ولم يلطف التعليم طباع الناشئة في الوقت الحاضر أكثر من قبل، وهذا يظهر من قراءة الجرائد والرسائل التي ينشرها أساتذة الجامعات، فيسأل القارئ متعجبا كيف اشتعل الحقد في قلوب هؤلاء الذين حالفهم الحظ الحسن.
Неизвестная страница