366

Рокамболь

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Жанры

بعد ذلك بساعة خرجت باكارا من منزل مدام ألفونس يصحبها الكونت أرتوف، وكانت نفسها منقبضة لقتل روكامبول، فقد كانت تحب أن يبقي عليه الكونت بعد إقراره، لاعتقادها أنه لم يكن غير آلة بيد أندريا، وما زالت تسير بهما المركبة حتى بلغت إلى منزلها، فاستوقفتها وودعت الكونت أرتوف وحاولت الدخول إليه، فوجدت الباب مفتوحا خلافا للعادة، فأوجست شرا ودخلت إلى الفسحة الخارجية، ورأت أن باب المنزل الداخلي مفتوح أيضا، ونادت الخادمة فلم تجب، فأعادت النداء دون أن تسمع من مجيب، وعند ذلك وقفت تصغي وقد ساد السكون بعد انتصاف الليل، فسمعت أنينا صادرا من غرفة تلك الخادمة، فعلمت أنه قد فاجأها مصاب، ولم تجزع لفتح الأبواب وما سمعته من الأنين، بل إنها دخلت إلى المنزل ببسالة تندر في الرجال حتى بلغت إلى غرفة الخادمة، فسمعت ذلك الأنين ونادتها فلم تجب، وحاولت أن تفتح الباب فوجدته مقفلا، فرفسته برجلها ففتح، وأنارت الغرفة فوجدت تلك المسكينة مقيدة اليدين والرجلين، مكمومة الفم على ما تركها روكامبول، فأسرعت إلى حل رباطها وسألتها منذعرة: ماذا حدث؟ - لقد اختطفوا الفتاة يا سيدتي بعد أن تركوني كما رأيت. - من هم الذين اختطفوها؟ - ثلاثة، وهم امرأة عجوز وشاب وعبد أسود.

فصاحت باكارا صيحة منكرة: إن هذا العبد خادم المركيز وشريك روكامبول، وقد أصبت فإن هذا الشقي مات دون أن يعترف بكل شيء.

إلا أن باكارا كانت منخدعة، فإن روكامبول لم يمت، بل إنه أفلت من كفنه وإليك البيان: إنه بينما كان الكونت أرتوف يلح عليه بذكر اسم وارثه ليدفع له المائة ألف فرنك، وبينما باكارا تلتمس من الكونت أن يبقي عليه، كان روكامبول يقول في نفسه إن لدي خنجرا خبأته تحت صدرتي، وإن الكيس الذي سيضعوني فيه متسع بحيث لا يعيق يدى عن الحركة، ثم إنهم سيلقونني في نهر المارن من موضع مرتفع، ولكن هذا النهر بعيد الغور، فسأصل إلى غوره حيا، وعند ذلك أشق الكيس بخنجري وأصعد منه إلى سطح الماء فأنجو.

فلما دخل إلى الكيس وجعل الخادمان يربطان فم ذلك الكيس، أدخل روكامبول يده من تحت صدرته وقبض على قبضة الخنجر، ثم لبث واقفا دون حراك، حتى إذا ألقوه في الماء أخرج الخنجر قبل أن يبلغ إليها، فوصل إلى منتهى عمق النهر بعشر ثوان ومزق الكيس وهو من المشمع بخنجره، فأخرج منه يديه ورجليه دفعة واحدة، وحين أصبح حرا ضرب الأرض برجليه وذهب صعدا حتى بلغ إلى سطح الماء، فتنفس الهواء وغاص مسرعا حذرا من أن يروه من النافذة، ولكن الظلام كان مشتد الحلك، وقد أقفلت النوافذ حين إلقائه منها.

وكان روكامبول من الماهرين في السباحة لأنه ربي بين الأنهار، فما زال يسبح غائصا تحت الماء، وكلما انقطع نفسه صعد متنفسا حتى بلغ الشاطئ فصعد إليه وهو لا يصدق بالنجاة، وجعل يبتعد عن هذا المنزل وهو يلتفت في كل حين حذرا من أن يتبعه أحد، إلى أن وصل إلى صخر مرتفع، فاختبأ وراءه وجلس يراقب المنزل الذي كان فيه، وأقام ساعة مبتل الثياب وأعضاؤه ترتجف من البرد، حتى رأى أن الأنوار قد انطفأت، ثم لم يمض على ذلك هنيهة حتى سمع مركبة خرجت من ردهة المنزل، فعلم أن من فيه قد رجعوا إلى باريس، وجعل يركض مقاومة لتأثير البرد إلى جهة خمارة كان رآها حين قدومه إلى المنزل، حتى وصل إليها وهو لا يزال بملابسه المركيزية الدالة على السعة والثروة، فاحتفل به صاحب الحانة؛ إذ لم يتعود أن يتشرف بزيارة مثل هؤلاء النبلاء. فأخرج روكامبول دينارا من جيبه ودفعه إليه، فأمر أن يعد له نارا للتدفئة وأن يحضر له شيئا من الشراب، ثم طلب إليه أن يعطيه ما لديه من الثياب، فأعطاه ثوبا من ثيابه، فخلع المبتل بعد أن أخذ منه الحوالة ولبس ثوب الحانة، وقد أخبره أنه سقط في النهر اتفاقا.

ثم تركه وجعل يمشي إلى أن لقي مركبة فركبها وذهب إلى مدام فيبار، فأيقظها ورأى اليهودية قائمة عندها، فأخبرها بجميع ما حدث له، وكان الصباح طلع فأمرها أن تذهب وتتردد حول منزل الكونت أرتوف كي تعلم إذا كان قتله فانتير، وأن تكتم حديثه أمام أعوانه لأنه عزم على ألا يعود إلى فندقه، بل يسافر رأسا إلى لقاء أندريا، فذهبت العجوز بعد أن أقفلت الباب وراءها حذرا من فرار الصبية، ونام روكامبول في سريرها.

وفي الساعة التاسعة أقبلت العجوز فأيقظته وقالت له: أظن أن الكونت قد قتل. - كيف ذلك؟ - ذلك لأني رأيت فانتير والإنكليزي الربان خارجين من الفندق الذي كنت فيه في الساعة الثامنة وعليهما ملامح السرور.

فطرب روكامبول وأجاب فلأذهب للقاء السير فيليام؛ إذ لم يبق لي ما أعمله في باريس.

ونهض فخرج من منزل العجوز، وذهب توا إلى بنك روتشيلد، فقبض المائة ألف فرنك حوالة على بنك لندرا، وذهب إلى حيث ينتظره أندريا.

أما أندريا فكان مقيما مع أخيه في كارلوفان يدهشه بظواهر قداسته، ويظهر له كل يوم آية جديد من آيات توبته، وكان أرمان يذوب تشوقا إلى معرفة سر مبارزة أخيه مع المركيز، وفي كل يوم كان يسأله عن هذا السر، فيماطله إلى أن أخبره أخيرا أن المركيز قد تجرأ على امرأته ودخل ليلا إلى منزلها إلى آخر ما يعرفه القراء من هذا الحديث، فغضب أرمان غضبا شديدا وأقسم أنه لا بد له من قتل هذا الرجل السافل الذي يتجرأ على أطهر امرأة، فطيب أندريا خاطره وغادره وهو فرح القلب كي يقابل روكامبول ويعلمه كيف يقابل امرأة أخيه مرة ثانية.

Неизвестная страница