324

Рокамболь

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Жанры

فصاح ليون صيحة منكرة؛ إذ ثبت لديه أنه لم يكن حالما، وأن جميع ما مر به كان حقيقة ثابتة لا ريب فيها، فوثب من سريره إلى الأرض، وخرج من الغرفة خروج المجانين، حتى إذا بلغ إلى باب الفندق العمومي سمع صوت رجل يناديه، فالتفت فرأى روكامبول بزي سائق وهو جالس إلى مائدة عليها أكل وشراب، فقال: ماذا تريد؟ - إني عائد إلى باريس، فإذا شئت صحبتك معي إليها. - إذن أسرع بإعداد المركبة. - ألا تشرب كأسا؟ - ويحك كيف يخطر لي الشراب وأنا على هذه الحال. - رويدك يا سيدي، واجلس معي قليلا إلى أن أفرغ من الطعام، وإذا شاركتني بهذه الزجاجة قصصت عليك أمر الفتاة التي أتيت بها ثم ذهبت مع سواك، وأطلعك على سرها. - أنت تعرف سرها؟ - نعم، ولكني لا أطلعك عليه إلا على شرط الشرب معي. - رضيت، فقل ما تعلم.

فصب له روكامبول كأسا، فشربه جرعة واحدة وهو يذوب تلهفا للاطلاع على هذا السر، وصب له روكامبول كأسا فشربه جرعة ثانية، وقال: أبدأ فأقول لك إني كنت في خدمة هذه الفتاة التي تعشقها، وهي فتاة مخلصة النية لطيفة الشعور، إلا أن عشيقها الذي استردها منك اليوم لا رحمة في فؤاده ولا إشفاق عنده؛ فإنه يعاملها شر معاملة ويضربها الضرب المبرح حتى أنها باتت تؤثر الموت على صحبته.

فسخط وأخذ مدية كانت على المائدة، فقبض عليها وضرب بها المائدة كأنه يضرب ذلك الرجل وهو يقول: لا بد من قتله.

وصب له روكامبول كأسا ثالثة وجعل يفضح أعمال هذا العشيق، ويذكر له عيوبا لا تحتملها النفوس، ثم يذكر في مقابل ذلك ما تقاسيه الفيروزة من العناء والمتاعب، وأنها لا يتسنى لها الراحة مما هي فيه إلا إذا مات هذا الجاني، وكان كلما ذكر له نادرة سقاه كأسا فزاده تحمسا، إلى أن اشتد سكر ليون وعاهده روكامبول على أن يوصله إلى مزاحمه، وعاهد نفسه على أن يقتله شر قتلة.

ولما رأى روكامبول أن المدامة قد نهبت من عقل هذا الصانع المنكود بقدر ما يريد، قام عن المائدة وأعد المركبة ودعاه للسفر، فأسرع ليون إليها وهو يتهادى في مشيته من الشرب، وقد جحظت عيناه من الغضب، وسارت بهما إلى منزل الفيروزة حتى بلغت إليه والفيروزة عند ذلك مع فرناند، بعد أن أخذت منه الحوالات المزورة على ما تقدم.

أما ليون فإنه صعد مشهرا بيده الخنجر وهو هائج هياج المجانين، وكان روكامبول يتقدمه كي يرشده إلى الغرفة التي يقيم فيها فرناند، ولما قرب أن يدنو منها أشار له عنها بيده وخرج مهرولا وهو يقول في نفسه: لقد فعلت ما وجب علي، ولتفعل الفيروزة ما يجب.

وأسرع ليون إلى الباب يريد اقتحامه إذ لم يكن مفتوحا، فتصدى له أحد الخدم وحاول منعه عن التقدم، فضربه ليون بيده ضربة سقط في إثرها على الأرض، وأسرع إلى الباب فوجده مقفلا ولكنه رأى النور من ثقبه، فطرقه فلم يفتح له، بل سمع أنه أقفل مرة ثانية، وجعل يطرق الباب مغضبا وهو يقول: افتحي إني لا أريد بك شرا، بل أريد قتل الظالم. افتحي أو أقتحم الباب.

أما فرناند فإنه دهش لهذا الحادث الذي لم يكن يخطر له في بال، ثم رأى من إنذار هذا الطارق واصفرار الفيروزة واضطرابها ما زاد في هواجسه، فسألها من هذا وماذا يريد؟ - ألا تسمع أنه يريد قتلك؟ ثم تظاهرت بمظاهر الإقدام وقالت: إنه عشيق قديم لي نسيت أن أخبرك عن أمره، فاهرب بالله إنه شديد الغيرة.

وكان فرناند قد شرب حتى سكر، فهاجت غيرته أيضا وأخذ سكينا عن المائدة وهو يقول: ليدخل ولنرى من يقتل الآخر.

فما أوشكت الفيروزة أن تستعطفه حتى كسر الباب ودخل منه ليون، وأسرعت الفيروزة إلى الشمعة التي كانت تنير الغرفة فألقتها على الأرض بحيث انطفئت، وساد الظلام قبل أن يرى أحدهما الآخر، ثم هربت إلى غرفة ثانية ولكنها لم تكد تخرج وتسود الظلمة في تلك الغرفة حتى فتح باب آخر وظهر منه نور عظيم شق حجاب الظلام، وأظهر للعاشقين موقفهما الهائل الشديد.

Неизвестная страница