فصعد من دكانه إلى الغرفة النائمة فيها الفتاة، ووقف عند السرير يتأمل ذلك الجمال الذي لم ير أطهر منه جمالا وأبدع مثالا.
وكانت لا تزال نائمة وهي تبتسم كأنها حالمة بما يدعو إلى الابتسام، فشعر داغوبير أن قلبه يضطرب ويخفق حنوا، وود لو طال غياب الرهبان كي يبقى معها في هذا الموقف.
وفيما هو يتأمل محاسنها تنهدت ثم فتحت عينيها، فنظرت إلى ما حولها نظرا تائها ونادت عمها، ثم استقر نظرها على داغوبير فعرفته وقالت له: أنت هو الذي كان يضرب الحديد بالمطرقة؟
فاضطرب وقال لها بلهجة تشف عن الاحترام كأنه يكلم فتاة في العشرين من عمرها: نعم يا سيدتي. - إذن أنا في منزلك؟ - نعم. - وأين هو عمي؟
فتلعثم داغوبير ولم يدر كيف يعلل لها عن سفره، ثم تشجع وقال لها بصوت حنون: إن عمك قد سافر، ولكنه سيعود، وقد أوصاني أن أعتني بك في مدة غيابه.
فلم يظهر عليها شيء من الخوف، ولكنها نظرت إلى وجهه المسود من الدخان وقالت له: إن وجهك أسود لكنه يدل على الصلاح. - إذن أنت غير خائفة مني؟ - كلا. - أتبقين عندي إلى أن يعود عمك؟ - دون شك.
وعند ذلك سمع داغوبير صوت رجل يناديه من الدكان، فقال لها: ابقي هنا إلى أن أقضي حاجة هذا الرجل فأعود إليك.
ثم نزل إلى الدكان فلقي فيها أحد الرهبان المنوط به إرسال البريد، وهو يريد نعلا لجواده فقال له: إني خشيت ألا أراك وأن تكون بين الذين ذهبوا لإطفاء النار. - كنت أود أن أكون، ولكن حال دون ذهابي بعض الموانع، فأين شبت هذه النار؟ - في قصر دي بوربيير فالتهمته. - أهو هذا القصر الجميل الذي بني حديثا ولم يسكنه أحد بعد؟ - هو بعينه، ولكن أصحابه أقاموا فيه منذ أسبوع قادمين إليه من باريس. - إنهم أغنياء وسيعيدون بناءه.
فهز الراهب رأسه وقال: لم يبق من يشيده فقد مات أصحابه. - كيف ماتوا؟ أبالنار؟ - هذا ما يرويه الرواة. - كم يبلغ عددهم؟ - إنهم ثلاثة، رجل عجوز وسيدة وولد صغير، لا أعلم إذا كان ذكرا أو أنثى.
فارتعش داغوبير وقال: ألم يجدوا جثثهم؟ - كلا، فإن الخدم تمكنوا من النجاة، وأما أصحاب المنزل فلم يرهم أحد حين شبوب النار. - ولكن ماذا يدعون؟ - الكونت والكونتس دي مازير. - أهم قادمون من باريس؟ - نعم، لكن لهم أقرباء في هذه المقاطعة.
Неизвестная страница