تماثلت جمالات للشفاء، نهضت من الفراش، مدت ذراعها تحت السرير وشدت الزجاجة من عنقها، أفرغت الكأس وراء الكأس في جوفها، خاطبت الرب حين غاب عنها الوعي، تسأله السؤال القائم منذ الأزل، ليه يا رب؟ ولا يأتيها الرد إلى الأبد.
في الليل تتقلب الفتاة في فراشها، في أحشائها شيء ينمو، لا تعرف ما هو، وكيف تسرب إلى أعماقها، تظنه وهما مصنوعا من الخوف، أو ورما من الأورام الحميدة أو الخبيثة. تذكر لقاءها الأول بسميح ، كان ذلك في دار النشر في مصر الجديدة، تمتلئ الدار بفتيات من الهاويات الحالمات بالكتابة، والفتيان الهاوين الحالمين، يحدث النقاش في الندوات حول القصة والرواية، كانت الفتاة تسعى إلى المعرفة، لم يكن الحب هدفها بل زيادة الإدراك، ومن أجل الكتابة كانت تضحي بالجسد، يتضاءل جسدها إلى جانب إشباع العقل.
ما تصوره سميح شبق الحب لم يكن إلا شبق المعرفة، تلقي نفسها بين ذراعيه ليس لأنها امرأة، بل لأنها كاتبة، لم تكتب شيئا في حياتها، ولا أحد يعرف أنها كاتبة، حتى هي لا تعرف، وإن عرفت فهي تخفي السر في أعماقها كالعورة.
ربما هو رستم، الذي كشف لأول مرة عن عورتها، قال لها وهو يحوطها بذراعيه، عقلك متقد مثل كارمن زوجتي، نحن نتعانق عناق الكاتب للكاتبة، داخل عالمنا الخاص، عالم الكلمات، ترتفع فيه لذة الخيال على الواقع ...
كانا يتعانقان حتى بلوغ القمة، تنحبس أنفاسهما عند الذروة، يتجمدان في الفراش دون حراك، يخشى كل منهما إن تحرك أن ينطفئ الوهج، وكانت كارمن تقول: أنا ورستم تجمعنا علاقة مدمرة لنا نحن الاثنين، وأنا لن أهدأ حتى أدمره تماما، وأحوله إلى رواية من رواياتي، وهو بالمثل لن يهدأ حتى يدمرني.
كانت مباراة للتدمير من أجل ما يمكن أن يبقى، محاولة للبقاء بعد الموت، لم يكتشف أحدهما السر، ربما كان هو الحب وليس الكتابة، أراد الاثنان إخفاءه تحت اسم الأدب، وإضفاء هدف نبيل للدخول معا في السرير.
كان رستم يعرف أنها تحب رجلا آخر، وكارمن تعرف أنه يحب امرأة أخرى، تجاهل الاثنان مشاعر الغيرة أو الامتلاك تحت اسم الحرية أو التعددية، تتملكهما أحيانا غريزة الاستطلاع، يحاول كل منهما أن يعرف أسرار الآخر، ربما بدافع المعرفة وليس الغيرة، يريد رستم أن يعرف من أقدر منه على إقناع زوجته، وهي تريد أن تعرف من أقدر منها على إقناع زوجها، وكان إشباع الجسد أكثر سهولة من إشباع العقل.
كانت كارمن تقول: الكتابة شيء جميل لإخفاء أشياء قبيحة، في روايتها انتقمت من زوجها، جعلته مؤرقا بالغيرة، يستأجر الجواسيس لمعرفة حياتها السرية، يطارد أي رجل تحبه بمسدس مكتوم الصوت. وتقول مريم الشاعرة: نحن نكتب لنعبر عن الخرس في أعماقنا، نخاف اللامنطوق أكثر من الموت، ولا تفكر في الانتحار إلا حين نعجز عن الكتابة.
تطوعت جمالات للتجسس على حياة رستم، كانت تحب الكشف عن الجرائم الخفية، تجد فيها نوعا من السلوى، وتقول: خلق الله الخير والشر، وخلق الشيطان من أجل الغواية والضلال. تضحك جمالات وهي ترشف النبيذ، وخلق الله الخمر من أجل سعادتنا يا عزيزتي، وإلا لما امتلأت الجنة بأنهر من الخمر. اكتشفت جمالات قصص الحب في حياة رستم، بطلاتها من الفتيات المجهولات الاسم في عالم الكتابة، تسعى الواحدة منهن إلى الشهرة من خلال الحب، ينتقل رستم من امرأة إلى امرأة كما ينتقل من رواية إلى رواية، يخلط بين الحلم والواقع، يقول في إحدى رواياته على لسان البطل: أنا رجل مثل الأنبياء ينطوي على فحولة خمسين رجلا، فهل أكتفي بأربعة نساء؟
وتحكي جمالات عن المرحوم زوجها، ضبطته ذات ليلة في فراشها مع امرأة أخرى، لطمت خديها صارخة: في فراشي وفي بيتي يا خائن؟ صوتها كان عاليا، قفز زوجها من فوق المرأة، أغلق فمها بيده، اسكتي يا جمالات اسكتي وإلا سمعك الجيران! جيران إيه وزفت إيه يا راجل، صحيح الخيانة في دمكم، على رأي المثل، «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغوربال.» وتقول مريم الشاعرة حين تسمع الحكاية: لا يشبع الرجال من ثلاثة: المال والسلطة والنساء، ولا تشبع النساء من ثلاثة: الألم والندم والعار. •••
Неизвестная страница