تلقيت من الحياة هدايا ثلاث،
أنني ولدت امرأة،
وفقيرة،
ومقهورة ...
مما جعل تمردي ثلاثة أضعاف.
ماتت ماريا ميرسيه مارسال في ريعان الشباب مثل الزهور. قبل أن تموت، التقت أناجيل بها صدفة، انحرفت ملامحها في عقلها، وقعت في حبها دون وعي، اكتشفت أن أمها الميتة لم تمت، إنها تعيش وتمشي على قدميها، تقرأ ديوانها وسط الآلاف، وفي الليل تحوطها بذراعيها تعيدها إلى طفولتها ورحم الأم.
يفرغ فرانسيسك كأسه في جوفه، ينهض واقفا هادرا كالبحر الغاضب، ينطق الكاتالانية بحروف حادة كالرصاص، لا يطيق سماع أناجيل وهي تحكي عن حبيباتها النساء، يمط بوزه في اشمئزاز: هؤلاء النسوة الليزبيات السحاقيات الباردات العاجزات جنسيا المقطوعات البظر!
لم تكن أناجيل مقطوعة البظر، كانت مكتملة الجسد، تقول إن فرانسيسك عاجز مثل الرجال في الشمال، ينبع العجز من الخوف، أنا أحب ماريا مارسيه مارسال لأنها شاعرة وليس لأنها امرأة، تستولي على خيالي أكثر من الرجال، رغم كونها ميتة، هناك شيء أكبر من الحب يا فرانسيسك!
تذكرها أناجيل بمريم الشاعرة على شاطئ النيل، أثارت خيالها منذ لقائها الأول بها، بشرتها خمرية بلون الفخار، صوتها وهي تلقي الشعر ناعما وصلبا كالرخام، ممشوقة القامة متينة البنيان مثل شجرة جذورها في الأرض ورأسها في السماء، شعرها كثيف بلون الليل، عيناها كبيرتان تتألقان تحت الضوء، يتغير لونهما مع حركة القمر، عنقها طويل قوي، يحمل رأسها دون عناء، يتحرك جسمها على نحو طبيعي، لا يمثل ثقلا ولا عبئا، كأنما مصنوع من مادة أخرى غير اللحم والعظم، ربما هي الروح.
كانت الفتاة يائسة، عاجزة عن تحقيق نفسها، يصيبها اليأس بالضعف والهزال، يفقد جسدها مناعته الطبيعية ضد الأمراض، تهاجمها الفيروسات صيف شتاء، تتصبب عرقا في ليالي البرد، وفي وطأة الحر ترتعش بالبرودة، انقطعت عن رستم وسميح وكارمن، تشاركها جمالات الشقة كأنما تشاركها جسدها، تعيش معها تحت سقف واحد، يتوالد الصراع من طول الاحتكاك، التلازم الزائد بين اثنتين عن الحد اللازم، ترى وجهها المترهل كل صباح بلا حاجبين وبلا رموش، تسمع صوتها في الحمام تبسمل وتحوقل، تشغل المرحاض طويلا بسبب الإمساك المزمن، صوت الغاز المكتوم في الأمعاء، الدهون المتراكمة مع الفول والطعمية والكوارع، شخشخة الأساور حول معصميها، وحبات السبحة تصطك بين أصابعها، وصرير ضروسها وهي تردد أسماء الله الحسنى، تشعر بالبهجة حين ترى الفتاة مريضة في الفراش، تزداد قوة بازدياد ضعفها، تتزين وتتعطر وتتبخر أمامها وهي راقدة، تليفونها المحمول ملتصق بأذنها، تطارد الرجال من عشاقها، تفتتح حديثها بسم الله والسلام عليكم، وتخمته بالصلاة على سيدنا محمد، يرن صوتها العالي وإن أغلقت الفتاة الباب، وإن سدت أذنيها بالقطن، وإن دفنت رأسها تحت الوسادة، يأتيها صوتها المتأجج باللذة، يغلي الدم في عروقها، إقبالها على الحياة يؤكد اكتئابها، إحساسها بالمرح يزيد من حزنها، تفتح الباب وتجلس على طرف سريرها، تفوح منها رائحة البودرة والمسك والعطور، حول حجابها عقد من اللؤلؤ، بين شفتيها الحمراوين سيجارة مشتعلة، يدخل دخانها في صدرها يزيدها مرضا. تنقلب على الجنب الآخر تعطيها ظهرها، خشب السرير يئن تحت ثقلها كحيوان مريض.
Неизвестная страница