وما أردتم منه؟ أأن يكون لكم قول يحكي، وتكونوا أمة على حدة، أم قد أتاكم في هذا الباب علم لم يأت الناس؟
فإن قالوا: أتانا فيه علم.
قيل: أفمن نظر ذلك العلم أم خبر؟
فإن قالوا: من نظر.
قيل لهم: فكأنكم تعنون أنكم نظرتم في نظم القرآن ونظم كلام العرب ووازنتم فوجدتموه لا يزيد إلا بالقدر الذي لو خلوا والاجتهاد وإعمال الفكر، ولم تفرق عنهم خواطرهم عند القصد إليه، والمصد له لأتوا بمثله؟
فإن قالوا: كذلك نقول.
قيل لهم: فأنتم تدعون الآن أن نظركم في الصاحة نظر لا يغيب عنه شيء من أمرها، وأنكم قد أحطتم علمًا بأسرارها، وأصبحتم ولكم فيها فهم وعلم لم يكن للناس قبلكم.
وإن قالوا: عرفنا ذلك بخبر.
قيل: فهاتوا عرفونا ذلك، وأني لهم تعريف مالم يكن، وتثبيت ما لم يوجد!
ولو كان الناس إذا عن لهم القول نظروا في موداه، وتبينوا عاقبته، وتذكروا وصية الحكماء حين نهوا عن الورود حتى يعرف الصدر، وحذروا أن تجيء أعجاز الأمور بغير ما أوهمت الصدور إذا لكفوا البلاء، ولعدم هذا وأشباهه من فاسد الآراء، ولكن يأتي الذي في طباع الإنسان من التسرع، ثم من حسن الظن بنفسه، والشغف بأن يكون متبوعًا في رأيه، إلا أن يخدعه وينسبه أنه موصى بذلك، ومدعو إليه، ومحذر من سوء المغبة إذا هو تركه وقصر فيه. وهي الآفة لا يسلم منها ومن جنايتها إلا من عصم الله. وإليه عز اسمه الرغبة في أن يوفق للتي هي أهدى، ويعصم من كل ما يوتع الدين، ويثلم اليقين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 155