اليمانية تقديمًا لصاحبهم أخبارًا رفعوها إلى رسول الله ﷺ. وروى عن يحيى بن سليمان الكاتب أنه قال: بعثني المنصور إلى حماد الرواية أسأله عن أشعر الناس، فأتيته وقلت: إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس. فقال: ذاك الأعشى صناجها.
٢١ - فقد علمنا أن امرأ القيس كان أشعرهم عندهم، وأن تفضيلهم غيره عليه إنما كان على سبيل المبالغة، وعلى جهة الاستحسان للشيء يتمثل به في الوقت ويقع في النفس، وما أشبه ذلك م نالأسباب التي يعطي بها الشاعر أكثر مما يستحق. أليس فيه أنه مما لا يبعد في القياس، وأنه مما يتسع له الاحتمال، وأنه ليس بالقول الذي يعاب، والحكم الذي يزرى بصاحبه، وأنه فضله عليهم لم يكون بالفضل الذي يمنع أن يكونوا أكفاء له ونظراء، يسوغ للواحد منهم، ويسوغ هو لنفسه، دعوه مساواته والتصدي لمباراته؟
هذا، وفي حاجة المنصور إلى أن يسأل عن أشعر الشعراء، وقد مضى الدهر بعد الدهر، دليل [على] أن لم يكن الذي روى من تفضيله قولًا مجمعًا عليه من أصله وفي أول ما قيل، وأنه كان كالرأي يراه قوم وينكره آخرون، وأن الصورة كانت كالصورة مع جرير والفرزدق، وأبي تمام والبحتري. ذاك لأنه لو كان القول بأنه أشعر الناس قولًا صدر مصدر الإجماع في أوله، وحكمًا أطبق عليه الكافة حين حكم به، حتى لم يوجد مخالف، ثم استمر كذلك إلى زمان المنصور، لكان يكون محالًا أن يخفى عليه حتى يحتاج فيه إلى سؤال حماد وكان يكون كذلك بعيدًا من حماد أن يبعث إليه مثل المنصور، في هيبته وسلطانه ودقة نظره وشدة مؤاخذته، يسأله فيجازف له في الجواب، ويقول قولًا لم يقله أحد، ثم يطلقه إطلاق الشيء الموثوق بصحته، المتقدم في شهرته، فتدبر ذلك.
1 / 132