وإذا ذهبنا إلى أشعري آخر ينتسب إلى أبي الحسن الأشعري فسنجد نفس التأويل بل أشد.
فأبو حامد الغزالي (ت/٥٠٥هـ) وهو من المعدودين عند ابن عساكر من الطبقة الخامسة السائرين على منوال الأشعري١ يذهب إلى أن الاستواء بمعنى الاستيلاء ويدافع عن ذلك دفاعًا شديدًا فيقول: "ويصلح الاستيلاء عليه - أي على العرش - لأن يمتدح به، وينبه به على غيره الذي هو دونه في العظم، فهذا مما لا يحيله العقل، ويصلح له اللفظ، فأخلق بأن يكون هو المراد قطعًا، أما صلاح اللفظ له فظاهر عن الخبير بلسان العرب، وإنما ينبو عن فهم مثل هذا أفهام المتطفلين على لغة العرب الناظرين إليها من بعد الملتفتين إليها التفات العرب إلى لسان الترك حيث لم يتعلموا منها إلا أوائلها، فمن المستحسن في اللغة أن يقال: استوى الأمير على مملكته، حتى قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق"٢
وإذا جئنا إلى صفة أخرى كاليد مثلًا نجد أن الأشعري يثبت اليدين صفة لله ﷿، ويقرر أن هذه الصفة لا يمكن أن يكون المراد بها النعمة أو القدرة كما ذهب إلى ذلك من ذهب من المعطلين بعده وقبله فيقول: "وأن له تعالى يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحًا، وأن يديه غير نعمته، وقد دل على ذلك تشريفه لآدم ﵇ حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ "٣.
ومع هذا التصريح الواضح من الأشعري في إثبات هذه الصفة نجد تلامذته من بعده يؤولونها ويذهبون فيها المذهب الذي نص الأشعري نفسه على بطلانه كما سبق في صفة الاستواء فالبغدادي يقول فيها: "وقد تأول بعض أصحابنا اليد على معنى القدرة وذلك صحيح على المذهب إذا أثبتنا لله القدرة، وبها خلق كل شيء، ولذلك قال في آدم ﵇ ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ ووجه تخصيص آدم بذلك أنه خلقه بقدرته لا على مثال
_________
١ انظر: التبيين ص٢٩١.
٢ انظر: الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص٣١.
٣ انظر: رسائل الثغر / ق ٢٢ ب، والإبانة ص٣٥ – ٣٨.
1 / 42