كان ملكا على أورشليم وحبر (كاهن) الله تعالى، وأنه بارك إبراهيم طبقا لقانون الحبر (انظر: العدد، 6: 23)،
20
وأن إبراهيم خليل الله أعطى حبر الله عشر غنيمته. ويبين ذلك بوضوح كاف أن الله قبل أن يؤسس الأمة الإسرائيلية نصب ملوكا وأحبارا على أورشليم، ووضع لهم شعائر وقوانين. ولا أستطيع أن أجزم - كما قلت من قبل - إن كان الله قد فعل ذلك بطريق النبوة، ولكني على الأقل مقتنع تماما بأن إبراهيم في أثناء إقامته هناك قد عاش متدينا طبقا لهذه القوانين. والحقيقة أن الله لم يعط إبراهيم أية شعائر خاصة به، ومع ذلك جاء في الكتاب (التكوين ، 26: 5)
21
أن إبراهيم قد عبد الله وعمل بوصاياه ونظمه وقوانينه. ولا شك أن المقصود هو أن هذه الشعائر كانت النظم والوصايا والقوانين التي وضعها الملك ملكيصادق. ويعاتب ملاخي (1: 10-11) اليهود قائلا: «من فيكم يغلق الأبواب (أبواب المعبد) أو يوقد نار مذبحي مجانا لأني لا مسرة لي بكم ولا أرضى تقدمة من أيديكم؛ لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم في الأمم. قال رب الجنود.» ولما كان من غير الممكن فهم هذه الكلمات إلا في الزمن الحاضر، وهو الزمن الوحيد المعقول، وإلا حرفنا الكلم عن مواضعه، فإنها تدل بوضوح تام على أن اليهود لم يكونوا في هذا الوقت أحباء الله أكثر من باقي الأمم، بل إن الله كان يكشف عن نفسه بالمعجزات لباقي الشعوب أكثر مما يفعل لليهود الذين استعادوا جزءا من إمبراطوريتهم في ذلك الوقت دون معجزات. كما تدل هذه الكلمات على أن لباقي الأمم طقوسا وشعائر يتقربون بها إلى الله، على أني سأترك هذا الموضوع جانبا؛ إذ يكفي لإثبات ما أريده أن أكون قد بينت أن اختيار اليهود كان يتعلق فقط بالنعم الدنيوية الجسدية وبالحرية، أي بوجود الدولة، وطرق إقامتها ووسائل بقائها، ومن ثم أيضا بالقوانين بقدر ما كانت ضرورية لإقامة هذه الدولة الخاصة، وأخيرا بالطريقة التي أوحيت بها هذه القوانين، وفيما عدا ذلك مما يكون القيمة الحقيقية للإنسان، لم يتميز اليهود على غيرهم بشيء، وإذن فعندما يذكر في الكتاب (انظر: التثنية، 4: 7)
22
أنه لا توجد آلهة قريبة من أمة قرب إله اليهود منهم، فيجب أن نفهم هذا القرب بالنسبة إلى الدولة فقط، وفي الزمن الذي وقعت فيه حوادث معجزة كثيرة. أما بالنسبة إلى الذهن والفضيلة، أي بالنسبة إلى السعادة والغبطة، فإن الله يرعى الجميع بقدر متساو، كما قلنا من قبل وبرهنا عليه بالعقل نفسه. وهذا ما يؤكده الكتاب ذاته بالفعل، يقول كاتب المزمور (المزمور 144: 18): «الرب قريب من جميع دعاته الذين يدعونه بالحق.» وفي المزمور نفسه (الآية 9): «الرب صالح للجميع ومراحمه على كل صنائعه.» ويذكر في المزمور «33 (32): 15» أن الله أعطى الجميع الذهن نفسه. وهذا هو نص الآية: «هو جايل قلوبهم جميعا.» (بالطريقة نفسها) فقد كان العبرانيون يعتقدون حقيقة أن القلب موطن النفس والذهن، وأظن أن هذا معروف للجميع. ويخبرنا الإصحاح 28، الآية 28 من سفر أيوب
23
أن الله قد فرض للجميع هذا القانون الذي يقضي بتعظيم الله وبالكف عن الأفعال القبيحة، أي يقضي بالتوجه له بالفعل الصالح. ومن هنا أصبح أيوب وهو غير اليهودي، أحب الجميع لله لأنه فاقهم جميعا في الورع والتدين، ويتبين أخيرا من سفر يونس (4: 2) أن الله يرعى «الجميع ويرحمهم ويسامحهم، وأن رحمته تسعهم جميعا»، وأنه يغفر الخطايا للجميع، دون أن يقصر ذلك على اليهود وحدهم، فيقول يونس: «ولذلك بادرت إلى الهرب إلى ترشيش» (من كلمات موسى في الخروج، 34: 6)
24 «فإني علمت أنك إله رءوف رحيم»؛ ومن ثم فإنك ستعفو عن أهل نينوى. ننتهي إذن (ما دام الله يرعى الجميع على السواء ولم يختر العبرانيين إلا من حيث وجودهم في مجتمع زمني وفي دولة) إلى أن اليهودي بمفرده، خارج عن المجتمع والدولة، لا يتميز عن الآخرين بأية هبة من الله، ومن ثم فلا فرق بينه وبين غير اليهودي.
Неизвестная страница