كانت الغاية من التفرقة بين الفلسفة واللاهوت إثبات حرية التفلسف . والآن، كيف تتحقق هذه الحرية في موقف معين أو تمارس في جماعة معينة؟ كيف يكون المواطنون أحرارا في الدول؟ ما حق المواطن وما حق السلطة؟
حق المواطن هو حق الفرد الطبيعي الذي يشمل كل ما تستطيعه طبيعته، فالفرد موجود طبيعي يعيش في الطبيعة؛ لذلك لا يتحدد الحق الطبيعي للفرد بالعقل بل بالرغبة والقدرة، فالقانون الطبيعي لا يمنع من أي فعل، وغايته الوحيدة هي مصلحة الفرد والإبقاء عليه، وتحتم هذه الضرورة عليه سائر أفعاله، ولا يمكن أن تخضع الطبيعة لقوانين العقل، فما يحسنه العقل ربما لا يكون حسنا في الطبيعة، وما قد يقبحه العقل ربما لا يكون قبيحا في الطبيعة.
97
ولكن مما لا شك فيه أن البشرية تود أن تعيش وفقا للعقل حتى تعيش في سلام؛ لذلك وجب أن يتعاون الأفراد فيما بينهم، وبالتالي أصبح الحق الذي يتمتع به كل فرد حقا اجتماعيا تحدده إرادة الجميع لا إرادة الأفراد. وهكذا نشأ العقد الاجتماعي طبقا لقانون طبيعي وهو الرغبة، أي رفض الخير القليل من أجل خير أعظم، وقبول شر قليل من أجل تجنب شر أعظم. وبعبارة أخرى الرغبة في أعظم الخيرين وأهون الشرين، فهذا قانون طبيعي أو حقيقة أبدية في الطبيعة الإنسانية؛ لذلك، يسمح لي الحق الطبيعي أن أخلف الوعد إذا رأيت في هذا الوعد خيرا أقل وشرا أعظم، دون أن يكون في ذلك إضرار بمصلحة الغير، فالجماعة هي التي تمثل المصلحة العامة والضرورة المطلقة التي تمنع كل صورة من صور الخداع. غاية العقد إذن هي تحويل الفرد من العيش وفقا للطبيعة (أي وفقا للشهوة) إلى العيش وفقا للعقل، فيصبح العقل موجها لسلوك الفرد، ولا يعامل الفرد الآخرين إلا كما يجب أن يعامل نفسه، ويدافع عن حق الآخرين كما يدافع عن حقه.
وتتكون الجماعة الإنسانية إذا ما فوض كل فرد حقه كاملا إلى هذه الجماعة التي يكون لها السلطة المطلقة والتي تجب لها الطاعة طوعا أو كراهية - باختيار حر أو خوفا من العقاب.
98
وهذا هو النظام الديمقراطي.
فالديمقراطية تنشأ من اجتماع الناس ويكون لهم حق مطلق على ما في قدرتهم؛ لذلك لا تطيع السلطة العليا الممثلة لهم أي قانون، بل يجب على الجميع طاعتها لأنها تمثل الجميع بعد أن فوضوا لها حقهم ضمنا أو صراحة، ويجب على الجميع طاعتها إما بالضرورة أو طبقا للعقل، كما يجب طاعة الدولة في قوانينها المتناقضة وذلك طبقا لمبدأ اختيار أهون الشرين.
99
ولا تنبغي الطاعة لفرد آخر وإلا نشأت الدكتاتورية بل تجب الطاعة للسلطة التي فوض لها الجميع حقوقهم؛ لذلك تصدر القوانين للمصلحة العامة، ومن المستحيل أن تجتمع الغالبية العظمى على ضلال. وتقوم السلطة بحماية الناس وبرعاية العقد الذي به ينتقل الناس من العيش وفقا للطبيعة إلى العيش وفقا للعقل. ولا يعني دخول الناس في العقد الاجتماعي وطاعتهم للسلطة الممثلة لهم وقوعهم في العبودية، فالعبد هو عبد الشهوة أو عبد الغير، في حين أن العقد الاجتماعي يحرر الأفراد من الشهوة، لأنهم يعيشون طبقا للعقل، ويحررهم من الغير لأنهم يعيشون في نظام ديمقراطي؛ لذلك كان النظام الديمقراطي أفضل الأنظمة لأن الفرد يعيش فيه حرا في مجتمع منظم.
Неизвестная страница