ولم يحدث تقنين لأسفار العهد القديم قبل عصر المكابيين. وقد اختيرت في المعبد الثاني، وهم الذين وضعوا الأقوال في الصلاة. ويشير الفريسيون أنفسهم إلى اجتماعهم لأخذهم قرار التقنين مع ما يتفق مع عقائدهم.
42
خامسا: منهج التفسير
إذا كان الشعور الديني ذا أبعاد ثلاثة: الشعور التاريخي، ووظيفته نقل الوحي شفاهيا أم كتابيا، وضمان صحته وضبطه عبر التاريخ، والشعور الفكري، ومهمته فهم الوحي - بعد التأكد من صحته - وتفسيره، وتحويله إلى أسس نظرية للسلوك، وأخيرا الشعور العملي، ومهمته تحويل الوحي - بعد التأكد من صحته وفهم معناه - إلى أنماط للسلوك، وإلى مناهج عملية في الحياة حتى يصبح الوحي نظاما للعالم، ويتم تحقيق الوحدة بين الفكر والواقع، أو بين الروح والطبيعة، أو إن شئنا، بين الله والعالم،
43
فإن سبينوزا لا يخرج عن هذا التقسيم، فيدرس النبوة أولا كشعور تاريخي، ثم يدرس مناهج التفسير كشعور فكري، ثم ينتهي بعد ذلك إلى السلوك والحياة العملية في دراسته للصلة بين الدين والدولة، ونظام الحكم الأمثل في الشعور العملي.
44
ومع ذلك، فالتفسير عند سبينوزا هو المسألة العامة التي تضم كثيرا من المسائل النقدية والعملية على السواء.
والتفسير ليس حكرا على فرد معين، أو على سلطة بعينها، بل لكل فرد الحرية المطلقة في أن يفسر كما يشاء، وفي أن يؤمن وأن يتصور العقائد كما يريد، وفي أن يفسر الكتاب على مستوى فهمه؛ إذ إن الكتاب نفسه قد دون على مستوى فهم العامة، وطبقا لآراء الأنبياء، ومعتقدات الرواة. يرفض سبينوزا سلطة الكنيسة في التفسير، وما تدعيه من حق في تفسير الكتاب المقدس، كما رفضها لوثر من قبل، فالله لا يحرم على الفرد حرية البحث ولا يمنعه حقه في التفكير والفهم والتفسير. وبناء على ذلك، لا يحق لنا اتهام مؤسس الفرق الدينية بالكفر. إذن هم كيفوا الكتاب حسب عقائدهم الخاصة، بما أنه قد تكيف من قبل حسب عقلية الأنبياء، وحسب التكوين النفسي للجماهير في عصره. ولكن يعاب عليهم منعهم الآخرين حرية البحث والتفكير، واعتبارهم أعداء لله وللبشر؛ لأنهم يختلفون معهم في الآراء والمعتقدات، حتى ولو كانوا يعيشون عيشة الفضيلة الحقة، واعتبارهم أصفياء الله، إذا اتفقوا معهم في العقائد والمعتقدات، حتى ولو كان سلوكهم مشينا. وهذا كله مما يجلب الشقاء للفرد وللجماعة.
ويعتمد سبينوزا في تحليله للكتاب على المبدأ البروتستانتي «الكتاب وحده»
Неизвестная страница