187

Трактат о теологии и политике

رسالة في اللاهوت والسياسة

Жанры

لم يكتب الحواريون (كما قلنا في الفصل السابق) بوصفهم أنبياء بل بوصفهم فقهاء، واختاروا أسهل الطرق لتعليم التلاميذ الذين يودون تكوينهم؛ وبالتالي فإن رسائلهم تتضمن (كما قلنا في نهاية الفصل نفسه) أشياء كثيرة يمكن الاستغناء عنها، دون أن يلحق ذلك أي ضرر بالدين. (5)

وأخيرا، فهناك أربعة أناجيل في العهد الجديد. ومن منا يستطيع أن يعتقد أن الله أراد أن يقص سيرة المسيح وأن يبلغه للبشر أربع مرات؟ لا شك أنه يوجد في كل إنجيل أشياء معينة لا توجد في غيرها، وأن كل إنجيل يساعد على فهم الآخر. ومع ذلك، لا ينبغي أن نستنتج من ذلك أن من الضروري معرفة كل ما يرويه كتاب الأناجيل الأربعة، وأن الله قد اختارهم كتابا حتى يعرف الناس سيرة المسيح على نحو أفضل، فلقد بشر كل واحد منهم بإنجيله في مكان خاص، وكتب كل منهم ما بشر به، لا لشيء إلا لكي يروي سيرة المسيح بطريقة أوضح، لا لكي يشرح الأناجيل الأخرى. فإذا كانت مقارنة الأناجيل تؤدي أحيانا إلى فهم المرء لها على نحو أفضل وأيسر، فإن ذلك يحدث مصادفة، وبالنسبة إلى عدد محدود من النصوص، يمكننا أن نتجاهلها دون أن تصبح السيرة، نتيجة لذلك، أقل وضوحا، أو يصبح الناس أقل قدرة على السعادة الروحية.

وهكذا بينا أن الكتاب قد سمي عن حق كلام الله، وذلك من وجهة نظر الدين وحدها، أي من وجهة نظر القانون الإلهي الشامل، ولم يبق لنا إلا أن نبين أنه لا يمكن أن يكون مختلفا أو محرفا أو منقوصا، بقدر ما يكون هذا الاسم منطبقا عليه. وأود أن ألفت النظر هنا إلى أني أسمي النص مختلفا ومحرفا ومنقوصا عندما يكون قد ساء التأليف والكتابة إلى حد لا يمكن معه التعرف على معناه، سواء بالرجوع إلى الاستعمال اللغوي أو باستخلاصه من الكتاب وحده. ولست أعني بذلك أن الكتاب، بقدر ما يحتوي على الشريعة الإلهية، كان له دائما النقط نفسه والحروف نفسها والكلمات نفسها (وأترك للماسوريين

18

ولمن يعبدون الحرف بطريقة خرافية أمر البرهنة على ذلك)، بل أعني فقط أن المعنى الذي من أجله وحده يسمى النص إلهيا، وصل إلينا دون تشويه، وإن كانت الكلمات التي استخدمت أولا للتعبير عنه قد تغيرت مرات كثيرة، وهذا لا ينقص مطلقا من ألوهية الكتاب لأنه يظل إلهيا وهو مكتوب بكلمات أخرى وبلغة أخرى. فلا يمكن إذن أن يشك أحد في أن الشريعة بهذا المعنى، وقد وصلت إلينا دون تحريف؛ لأننا ندرك بالكتاب نفسه، ودون أية صعوبة أو أي اشتباه، أن الشريعة تتلخص في هذه الوصية: حب الله فوق كل شيء، وحب المرء لجاره كما يحب نفسه. ونحن واثقون من أن هذه الوصية لا يمكن أن تكون نتيجة للتحريف، ولم يكتبها قلم متسرع، أو متهم بالأخطاء، ولو كان الكتاب قد أعطى تعاليم مختلفة، لاختلفت تعاليمه أيضا في جميع الموضوعات الأخرى؛ لأن هذه الوصية أساس الدين كله، بحيث إن محوها يؤدي إلى هدم البناء كله في الحال، وبالتالي، فإن كتابا لا يدعو إلى ذلك لن يصبح كتابا مقدسا، بل يكون كتابا مختلفا كل الاختلاف. فنحن إذن على يقين تام من أن تعاليم الكتاب كانت كذلك دائما، وأنه لا يمكن، في هذا الصدد، لأي خطأ عرضي أن يغير معنى هذه التعاليم وإلا اكتشف فورا، كما لا يمكن لأحد تزييف هذه التعاليم إلا وظهر إثمه باديا للعيان. ولكن لما كان علينا أن نسلم بأن هذا الأساس ظل دون إفساد، فيجب أن نعترف أيضا بجميع النتائج التي تترتب عليه دون مناقشة، والتي تتسم بالطابع الأساسي نفسه؛ وهي أن الله موجود، وأن عنايته شاملة، وأنه قادر على كل شيء، وأن أمره يقضي بأن يكون التقي سعيدا والعاصي شقيا، وأن خلاصنا يتم بفضله وحده. ويعلم الكتاب ذلك كله بوضوح في جميع مواضعه، وكان لا بد أن يعلمه دائما، وإلا لكان كل شيء آخر فيه عبثا لا أساس له. أما باقي الحقائق الخلقية فإنها خالية أيضا من أي فساد، لأنها تنتج بوضوح من هذا الأساس الشامل. مثال ذلك، الحرص على العدالة، ومساعدة المحتاج، والامتناع عن القتل، وعدم التطلع إلى ما يملكه الغير ... إلخ . أقول: إن شر الناس لم يمكنه أن يزيف من هذه الحقائق شيئا، ولم يمح الزمان أقل قدر منها. وإذا كان قد حدث لها أي انهيار جزئي، فإن أساسها الشامل كان كفيلا بإعادة بنائها كاملا في الحياة، وخاصة تعاليم الإحسان التي يوصي بها العهدان في كل مواضعهما باعتبارها أهم الفضائل. ولنضف إلى ذلك، أنه على الرغم من أن الإنسان قد ارتكب من الجرائم الشنعاء كل ما يمكن تصوره، فلن يحاول أحد مع ذلك - كيما يجد عذرا لجريمة - أن يهدم القوانين، أو أن يقدم قاعدة فاسقة بوصفها إحدى التعاليم الأزلية النافعة للخلاص. والحق أن الطبيعة البشرية تتبدى دائما بحيث إنه إذا اقترف أحد جرما (سواء أكان ملكا أم من الرعية) فإنه يحاول أن يحيطه بظروف كفيلة تجعل الناس يظنونه بريئا من كل جرم في حق العدالة وفي حق الشرف، ففي استطاعتنا إذن أن نستنتج عن حق أن القانون الإلهي الشامل الذي علمه الكتاب قد وصل إلينا كاملا دون أي تحريف. وبالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الموضوعات الأخرى التي لا يمكن الشك فيها لأن لدينا عنها تراثا جديرا بالثقة، مثل جوهر روايات الكتاب، لأنها تروي وقائع معروفة ومشهورة لدى الجميع. فقد اعتاد العامة من اليهود تذكر وقائع التاريخ الوطني عن طريق إنشاد المزامير، وكذلك عرف الناس في كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية جوهر أفعال المسيح وآلامه، فلا يمكننا أن نظن أن الخلف قد نقل إلينا جوهر هذا التاريخ على غير ما تلقاه إلا إذا افترضنا تواطؤ السواد الأعظم من الجنس البشري.

وهذا أمر بعيد عن التصديق. وإذن فلم يكن من الممكن أن تقع التغييرات والأخطاء إلا فيما بقي من الأمور؛ أعني في واحدة أو أخرى من ملابسات الرواية أو النبوة التي تفيد في حث الشعب على التقوى، أو في هذه المعجزة أو تلك التي تقدم لبعث الارتباك في عقول الفلاسفة، أو في الموضوعات التأملية التي أدخلتها الفرق المتنازعة في الدين، حتى يتسنى لكل فرقة إيجاد ضمان من السلطة الإلهية لبدعها. ولكن لا يهم كثيرا للحصول على الخلاص أن تكون هذه الأمور قد زيفت أم لا. وسأبين ذلك صراحة في الفصل التالي، وإن كنت أعتقد أنني قد أقمت البرهان عليه من قبل، وخاصة في الفصل الثاني.

الفصل الثالث عشر

الكتاب لا يحتوي إلا على تعاليم يسيرة

وفيه نبين أن الكتاب لا يحتوي إلا على تعاليم يسيرة للغاية ولا يحث إلا على الطاعة، وتقتصر عقيدته في الطبيعة الإلهية على ما يمكن اتخاذه قاعدة عملية في حياة الناس اليومية. ***

بينا في الفصل الثاني من هذه الرسالة أن الأنبياء كانت لهم مقدرة فريدة على الخيال وحده، لا على المعرفة، وأن الله لم يوح لهم بأمور فلسفية عميقة، بل بأفكار يسيرة للغاية،

Неизвестная страница