Сообщение об объединении и разлуке в клятве о разводе

Ибн Таймия d. 728 AH

Сообщение об объединении и разлуке в клятве о разводе

رسالة الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق

Исследователь

محمد بن أحمد سيد احمد

Номер издания

الأولى

Год публикации

1408 AH

رسالة

الاجتماع والافتراق

في الحلف بالطلاق

للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية

صححها وعلق عليها

محمد بن أحمد سيد أحمد

المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة

تقديم فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع

القاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة وعضو هيئة كبار العلماء

1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى:

﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

سورة القصص: الآية ٨٣.

2

رسالة

الاجتماع والافتراق

في الحلف بالطلاق

3

جُقُوق الطّبْع مَحْفُوظة

الطَّبْعَة الأُولَى

١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م

4

مقدمة

بقلم : فضيلة الشيخ العلامة

عبد الله بن سليمان بن منيع

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره، وأتوب إليه. وأعوذ بالله من شر نفسي، ومن سيئات عملي. من يهده الله فهو المهتدي. ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، في ألوهيته، وفي ربوبيته وفي كمال ذاته وصفاته. وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .... وبعد فلقد قام فضيلة الأخ الكريم الشيخ محمد بن أحمد سيّد أحمد المدرّس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرّمة، بتحقيق رسالة ((الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق)) لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيميّة. كما قام بالتعليق عليها، بتعليقات مقتبسة من نصوصٍ لشيخ الإسلام من كتبه للدلالة على أن ما جاء في هذه الرسالة متفق تمام الاتفاق مع ما يراه الشيخ ويفتي به ویقرره.

وقد قدَّم فضيلة الشيخ محمد أحمد بين يدي الرسالة - موضوع التحقيق والتعليق - ترجمة وافية لحياة شيخ الإسلام ابن تيميّة، وجهاده بقلمه ولسانه وسنانه في سبيل الله، وفي سبيل الدعوة إلى تنقية الاعتقاد، مما يشوبه من معتقدات بدعية، وآراء صوفية، وتعلقات قبورية. وقد أشار في ترجمته إلى

5

حياة شيخ الإسلام الاجتماعية، والعلمية، وإلى الوضع الفكري في عصره، وما كان عليه أصحاب ذلك العصر، من ترسبات تتنافى مع كمال التوحيد. وما لاقاه في سبيل الدعوة إلى إصلاح الحال وتنقية الاعتقاد. وما كان عليه من الجلد والصبر والتحمل في مقابلة الخصوم بالحجة الدامغة، والدليل القاطع، والمنطق السليم. مما جعله بحق مجدداً لما اندرس من معالم المحجة البيضاء، فجزى الله الشيخ محمد أحمد خير الجزاء، ووفّقه للمزيد من تتبع جواهر شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقد قام جزاه الله خيراً بتحقيق هذه الرسالة وبمقابلتها على ما استطاع الحصول عليه من أصول لها. وكان مجهوده في تحقيقها ما ذكره في مقدمة هذه الرسالة، مما يعطي القناعة والاطمئنان إلى صحة صدورها عن شيخ الإسلام، فضلاً عن موافقتها لآرائه وفتاواه في مسائل الطلاق. مما جرى نشره عنه رحمه الله في مجموعةٍ من كتبه، وفي مقدمتها مجموع فتاواه الذي قام بجمعه وطبعه فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله وبمساعدة ابنه فضيلة الشيخ محمد، وما نشره فضيلة الشيخ محمد رشاد سالم رحمه الله.

ولا شك أن مسألة الحلف بالطلاق، ومسألة الطلاق بالثلاث بلفظ واحد أو بتتابع عبارات الطلاق من المسائل التي بحثها العلماء قديماً وحديثاً وصار الخلاف فيها. فاتجه جمهورهم إلى القول بوقوع الطلاق، طلاق بينونة كبرى بذلك. مع تفصيلهم فيما إذا كان الطلاق بالثلاث بعبارات متتابعة كقول المُطلِّق ((هي طالق، طالق، طالق)) و((طالق، ثم طالق، ثم طالق)) بما هو مذكور في كتبهم.

واتجه الآخران إلى اعتبار الطلاق بالثلاث بلفظ واحد، أو بعبارات متتابعة، مع تفصيلهم في ذلك طلقة واحدة، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من أبطال ورجال هذا الرأي. وقد وجَّها القول بذلك ببيان يصدق على القول المأثور ((إن من البيان لسحرا))(١).

(١) حديث صحيح رواه البخاري وغيره.

6

وأما مسألة الحلف بالطلاق، فهي أيضاً موضع خلاف بين جمهور الفقهاء وفي هذه الرسالة بيان واضح لرأي شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة.

فرحم الله مؤلف هذه الرسالة «الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق» وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير جزاء وأتمّه. وأجزل لناشر هذه الرسالة ومحققها الشيخ محمد بن أحمد سيّد أحمد المثوبة وغفر الله للجميع، وجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبدالله بن سليمان بن منيع

القاضي بمحكمة التمييز
بمكة المكرمة

7

-

9

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلّ وأنتم مسلمون﴾(١).

﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيباً﴾(٢).

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾(٣).

أما بعد:

فإنه ليسرُّني أن أقدِّم لإخواني القرّاء هذه الرسالة القيمة، ((رسالة الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق)) لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيميّة.

(١) سورة آل عمران: الآية (١٠٢).
(٢) سورة النساء: الآية (١).
(٣) سورة الأحزاب: الآية (٧٠، ٧١).

9

أقدّمها في وقت أصبحت الحاجة فيه ماسَّة إلى مثل هذا النوع من الرسائل التي تُقَدِّم للناس حلولاً عملية مدعومة بنصوص القرآن والسنة، في زمن كثرت فيه المشاكل وتشعبت، وتعددت فيه السُبل وتنوّعت، وبعدت فيه المناهج عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده، والذي بيَّنه رسوله ﷺ للناس أكمل بيان وأحسنه وأتمَّه.

وهذه الرسالة كما هو واضح من عنوانها، تعالج قضية من أخطر قضايا الناس، ألا وهي قضية ((الحلف بالطلاق)).

لقد عالج المؤلف رحمه الله في رسالته سالفة الذكر هذه القضية معالجة موضوعية. ظهرت من خلالها عبقرية الرجل، ونزاهة قلمه، ووفور علمه وغزارة مادته. ولا أدلّ على هذا كله، من أن أعداءه أخذوا بقوله في هذه القضية، وأفتوا بفتواه فيها، والفضل ما شهدت به الأعداء.

إن هذه الرسالة القيّمة للعلامة المجتهد تقي الدين ابن تيمية، تمثِّل إحدى ثمرات نبوغه المذهل، ونتاج عقله الجبّار، وذهنه الوقَّاد وقلمه السيّال. وعلى الرغم من قلة عددها، وضآلة كمِّها، إلا أنها لسان صدق، وشاهد عدل على غزارة علم مؤلفها، وسعة عقله، ورجاحة فكره، وتقدمه وفضله، وتضلعه وقعوده في جميع فنون العلم. حتى أضحت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين، ولا أدلّ على ذلك ممَّا قاله العلامة ابن دقيق العيد(١): لمّا اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد(٢).

(١) هو الشيخ العلامة عمدة الفقهاء والمحدثين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي المالكي الشافعي ابن دقيق العيد المتوفى سنة ٧٠٢ هـ. كان إماماً حافظاً فقيهاً ذا تحرير. من مؤلفاته كتاب الإلمام في الأحكام، وكتاب الأربعين في الرواية عن رب العالمين وغيرهما. انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي ص: ١٠٦. والدليل الشافي على المنهل الصافي لابن تغري بردي ٦٥٨/٢ - ٦٥٩.

(٢) انظر: الرد الوافر لابن ناصر الدين ص: ١٠٦. وشيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره =

10

إن ابن تيمية بما ترك من مؤلفات ضخمة ورسائل عديدة في جميع فنون العلم، والتي عالج فيها شتَّى مسائله تقريباً، حتى لم تبق مسألة إلا وله فيها رأي، ولا مشكلة إلا ولها على يديه حل، لجدير بأن يكون محل عناية الباحثين وموضع اهتمامهم، فيما يتعلق بالثقافة الإسلامية خاصة، والدراسات الشرعية عامة.

ولا يفوتني في ختام هذه الكلمة، أن أنبّه القارىء الكريم إلى أنَّ نسبة هذه الرسالة إلى مؤلفها تقي الدين ابن تيمية هي نسبة أكيدة وصحيحة. وقد أشار إلى هذه الرسالة، العلامة ابن قيم الجوزية في رسالته التي أفردها لمصنفات شيخه ابن تيمية، وهي مطبوعة ومحققة (١). كما أنَّ هذه الرسالة متداولة بين أهل العلم، وكثيراً ما يشيرون إليها. ويحيلون عليها من مصنفاتهم فضلاً عن ذلك فقد أشار خير الدين الزركلي في كتابه ((الأعلام)) إلى هذه الرسالة كما أشار إليها غيره(٢).

كما لا يفوتني أن أنبّه على أن هذه الرسالة قد طبعت ولأول مرة في مطبعة المنار بمصر. ولقد أطلعت على نسخة من هذه الطبعة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٩٢٤/١٩٦ (فقه حنبلي) والتي قدّم لها فضيلة الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة(٣) رحمه الله وهي تقع في ٢٣ صفحة من الحجم دون المتوسط بقليل. وفي مقدمتها صفحة مأخوذة بالتصوير الشمسي تشتمل على إجازة بالرسالة المذكورة من مؤلفها للقاضي كمال الدين ابن عمر بن أبي الخير بن عمر الأنصاري عليها توقيع المؤلف بخطه (٤). كما أنني

= عند المؤلفين ص: ٢١، ٢٧، ٦٧. جمع صلاح الدين المنجد. وحياة شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ محمد بهجت البيطار ص: ١٠.

(١) أنظر أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق صلاح الدين المنجد.

(٢) انظر: الأعلام لخير الدين الزركلي ١٠٠/١، ١٠١.

(٣) ستأتي ترجمته.

(٤) انظر: ملحق الجزء الأول من فهرست دار الكتب المصرية قسم الفهارس العربية ص: ٦٥.

11

وجدت هذه الرسالة ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، والتي جمعها العلامة الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي رحمه الله(١) دون الزيادات الواردة في النسخة التي قدّم لها فضيلة الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، والتي طبعت في مطبعة المنار سنة ١٣٤٢ هـ. ومما يجدر الإشارة إليه، أن فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله قد اعتمد في جمعه لبعض فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الحلف بالطلاق على نسخ مطبوعة، منها النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية والتي أشرت إليها سابقاً كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم حفظه الله.

وحيث أنه لم يتيسَّر لي الحصول على الأصل المخطوط لهذه الرسالة بعد أن بذلت قصارى جهدي في الحصول عليه، حيث أنني راجعت كمّاً هائلاً من الفهارس المطبوعة والمخطوطة، فضلاً عن ذهابي للعديد من دور العلم، ولكن دون جدوى. لذا فقد اقتصرت في مقابلة هذه الرسالة على ما توافر لديّ من نسخ مطبوعة، والتي أشرت إليها سابقاً، وعلى مصورتين خطيّتين يتعلقان بموضوع الحلف بالطلاق. الأولى لتقي الدين ابن تيمية، وهي مصورة عن مخطوطة من مخطوطات دار الكتب المصرية. وهي محفوظة برقم ٧٧/٨٣٢٣ مجاميع. وأما الصورة الثانية فهي محفوظة في مكتبة الرياض العامة، وهي أيضاً لتقي الدين ابن تيميّة.

ولله الحمد والمنة، فقد استفدت من كلا المصورتين الخطيّتين استفادة لا بأس بها، وذلك فيما يتعلق بموضوع الرسالة المشار إليها آنفاً وأما عملي في هذه الرسالة فيتمثل في الآتي:

١ - قمت بضبط النص وتصحيحه على النسخ المطبوعة وعلى المصورات الخطية المتعلقة بموضوع الرسالة.

(١) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ٤٤/٣٣ : ٧٥.

12

٢ - رددت الآيات القرآنية إلى مواضعها من المصحف الشريف.

٣ - خرّجت أحاديث الرسالة، وذكرت مواضعها من كتب السنّة.

٤ - أثبت ما وضعه ناشر الطبعة الأولى لهذه الرسالة من عناوين فرعية.

٥ - علّقت على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق.

٦ - عرّفت بالأعلام الذين ورد لهم ذكر في الرسالة.

٧ - قمت بعمل دراسة موسّعة عن المؤلف (حياته - وآثاره).

ولا يفوتني في ختام هذه الكلمة أن أشكر فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان بن منيع على نصائحه القيّمة، وتوجيهاته الكريمة، سائلاً الله لي ولفضيلته دوام التوفيق والسداد. كما أسأله سبحانه أن يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه ابتغاءً لمرضاته، وأن ينفع به المسلمين في كل زمان ومكان، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول.

والحمد لله رب العالمين

كتبه

محمد بن أحمد سيد أحمد
المدرس بدار الحديث الخيرية
بمكة المكرّمة

13

التعريف بالمؤلف

اسمه ونسبه:

هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبدالله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي(١). شيخ الإسلام وعلَم الأعلام.

اختلف لِمَ قيل: (ابن تيمية).

فقيل: إن جده محمد بن الخضر ذهب إلى الحج وله امرأة حامل، ومرّ على درب تيماء فرأى هناك جارية طفلة قد خرجت من خباء، فلما رجع إلى حرَّان وجد امرأته قد ولدت بنتاً فلما رآها قال: يا تيمية، يا تيمية. فلقب بذلك.

وقال ابن النجار: ذكر لنا أن جده (محمد بن الخضر) كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة فنسب إليها(٢).

(١) انظر في ترجمته: تذكرة الحفاظ للذهبي ٢٧٨/٤ - ٢٧٩، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ٧٤/١ - ٨٠، والرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي، والعقود الدرية من مناقب ابن تيمية لابن عبدالهادي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ٨٠/٦ - ٨١، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ٢٧١/٩، والبداية والنهاية لابن كثير ١٤ /١٤١ - ١٤٦، وجلاء العينين لابن الألوسي ص ١٧، وابن تيمية حياته وعصره، آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص ١٧، والكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي.

(٢) انظر العقود الدرية من مناقب ابن تيمية لابن عبدالهادي ص ٤.

14

والده:

هو الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبدالله بن تيمية الحراني(١) ثم الدمشقي والد الشيخ أحمد بن تيمية، سمع من والده مجدالدين وغيره، وقرأ العلم على والده وتفنن في الفضائل وأفتى ودرس وصنف، وصار بعد أبيه شيخ حران وخطيبها وحاكمها، وكان كثير الفوائد، ديّناً متواضعاً حسن الأخلاق.

قال عنه الإمام ابن كثير: والد شيخنا العالم العلامة تقي الدين بن تيمية. مفتي الفرق الفارق بين الفرق، كانت له فضيلة حسنة، ولديه فوائد كثيرة، وكان له كرسي بجامع دمشق، يتكلم عليه عن ظهر قلبه(٢).

وقال الذهبي: وكان إماماً محققاً كثير الفنون، وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس - يشير إلى أبيه وابنه - وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه. توفي سنة ٦٨٢ هـ ودفن بسفح قاسيون(٣) رحمه الله تعالى.

(١) حران: بلدة قديمة كانت من أهم مراكز الديانات القديمة، شمالي الجمهورية التركية قرب أورفة، وهي الآن بلدة عامرة بعد الخراب الذي أصابها عند احتلال التتار لها أيام رحيل آل تيمية وغيرهم منها. والنسبة إليها: حراني، وهو الشائع. والصواب: حرناني كما في القاموس وتاج العروس. ومن زعم أنه منسوب إلى ((حران العواميد)) كالمنجد وغيره فقد وهم، فهذه شرقي دمشق وكانت تسمى ((حران المرج)) وهذه قصبة ديار مضر في جزيرة ابن عمر. انظر هامش كتاب الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية بقلم الأستاذ زهير الشاويش ص ١٦.

(٢) انظر البداية والنهاية لابن كثير ٣٢٠/١٣، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ص ٣١٦/٣١٠.

(٣) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين لابن الألوسي ص ٤٢.

15

جده:

أما جدّه فهو شيخ الإسلام مجدالدين أبو البركات عبدالسلام بن عبدالله بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبدالله بن تيميَّة الحرّاني، الفقيه المحدِّث، المفسِّر الأصولي، وُلد بحران في حدود سنة ٥٩٠ هـ، وتفقّه على عمّه الخطيب فخرالدين وغيره، وسمع الكثير ورحل إلى البلاد وبرع في الحديث والفقه وغيرهما، ودرَّس وأفتى، وانتفع به الطلبة، وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء، وكان مشهوراً في حفظه للسنّة وسردها وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة، حدَّث بالحجاز والعراق والشام وحرّان.

وكان المجد معدوم النظير في زمانه، رأساً في الفقه وأصوله، بارعاً في الحديث ومعانيه(١). قال الحافظ ابن رجب في ترجمة المجد ابن تيميَّة(٢):

ومن تصانيفه:

الأحكام الكبرى في عدة مجلدات، والمنتقى في أحاديث الأحكام، والمحرّر في الفقه، وغيرها. وقال الذهبي: صنف التصانيف، واشتهر اسمه وبعد صيته، وكان فردَ زمانه في معرفة المذهب، مفرط الذكاء، متين الديانة كبير الشأن. توفي سنة ٦٥٢ هـ بحرّان(٣).

نسبه من جهة أمه:

أمَّا والدته فهي الشيخة الصالحة ست النعم بنت عبدالرحمن بن علي بن عبدوس الحرّانية. ظلّت على قيد الحياة حتى رأت مجد ابنها يكتمل وقد صار

(١) انظر البداية والنهاية لابن كثير ١٩٨/١٣، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ٣٢٣/٢.

(٢) انظر مقدمة المنتقى من أخبار المصطفى للشيخ محمد حامد الفقي، وذيل طبقات الحنابلة ص ٢٤٩ - ٢٥٤.

(٣) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين لابن الألوسي ص ٤١، وفوات الوفيات ٣٢٣/٢.

16

المجاهد لإحياء الشريعة وشجّعته في جهاده ببرّها وعطفها وحنانها، وعندما ذهب إلى مصر كاتبها برسائل تفيض عطفاً وحناناً وحسناً ووفاءً حتى يخفّف عنها بعض آلامها ببعده عنها(١).

قال العلامة ابن كثير في تاريخه: لقد عمّرت - والدة الشيخ تقي الدين بن تيميَّة - فوق السبعين سنة ولم تُرزق بنتاً قط. توفيت يوم الأربعاء العشرين من شوّال سنة ٧١٦ هـ ودفنت بالصوفية، وحضر جنازتها خلق كثير وجمّ غفير. رحمها الله تعالى(٢).

مولده ونشأته :

أما مولده فكان في حرّان يوم الاثنين ١٠ ربيع الأول سنة ٦٦١ هـ، وبقي بها إلى أن بلغ سبع سنين، ثم انتقل به والده رحمه الله إلى دمشق - عند جور التتار - فنشأ بها أتمّ إنشاءٍ وأزكاه، وأنبته الله أحسن النبات وأوفاه، وكانت مخايل النجابة عليه في صغره لائحة، ودلائل العناية فيه واضحة، ولم يزل منذ إيَّان صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد. وختم القرآن صغيراً، ثم اشتغل بحفظ الحديث ونسخ جمله. وتعلّم الخط والحساب. ثم أقبل على الفقه. وقرأ العربية على ابن عبدالقوي، ثم فهمها وبرع فيها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه وبرع في النحو. وأقبل على التفسير إقبالاً كليّاً حتى سبق فيه. وأحكم أصول الفقه. مع ملازمته مجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار. كلَّ هذا وهو ابن بضع عشرة سنة، فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه، وسیلان ذهنه وقوة حافظته وإدراكه.

قال الذهبي: ((نشأ في تصوّنٍ تام، وعفاف وتعبّد واقتصاد في الملبس والمأكل)). وكان رحمه الله يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويُفحم الكبار. وأفتى وله أقل من تسع عشرة سنة. وقلّ كتاب من فنون العلم إلا وقف

(١) انظر ابن تيمية حياته وعصره، آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص ١٩.

(٢) انظر البداية والنهاية لابن كثير ٨١/١٤.

17

عليه، وأول كتاب حفظه في الحديث «الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي». وكان رحمه الله سريع الحفظ بطيء النسيان. وكان العلم كأنه اختلط بلحمه ودمه وسائره، فإنه لم يكن له مستعاراً، بل كان له شِعاراً ودثاراً. مات والده وله إحدى وعشرين سنة. وبَعُد صيته في العلم فطبّق ذكره الآفاق. وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجُمَعْ على كرسيٍ من حفظه، وليس هذا غريباً عليه فلقد كان آباؤه أهل الدراية التامة والنقد والقدم الراسخة في الفضل. إضافة إلى ما تحلّت به أسرة آل تيميَّة من علم وفضل وتقوى يشيع في رجالها ونسائها الصلاح والورع(١).

أوصافه الخلقية:

أما أوصافه الجسمية والخلقية فقد ذكرها معاصِرُه الذهبي، فقال: كان أبيض، أسود الرأس واللحية قليل الشيب. شعره إلى شحمة أذنيه، وكأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحاً سريع القراءة، تعتريه حدة لكن يقهرها بالحلم .. ثم يقول: ولم أرَ مثله في ابتهاله وكثرة توجهه(٢). وقال صاحب فوات الوفيات: وانبهر الفضلاء من فرط ذكائه وقوة حافظته وسيلان ذهنه وسرعة إدراكه(٣).

(١) انظر الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزَّار ص ١٦ - ١٩، والعقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ص ٤ - ٥، ابن تيمية حياته وعصره للشيخ محمد أبو زهرة ص ١٧ - ٤٨، وحياة شيخ الإسلام ابن تيمية لعلامة الشام الشيخ محمد بهجت البيطار، وأحاديث القصاص لابن تيمية تحقيق الأستاذ محمد لطفي الصباغ ص ٢٦ - ٣٢، وشيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين تحقيق صلاح الدين المنجد ص ١٧، ١٨، ٢٦، ٥٦، ١٢٨.

(٢) انظر الدرر الكامنة لابن حجر ١٦١/١، وشيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين جمع صلاح الدين المنجد ص ١٦٠.

(٣) انظر فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي. تحقيق الأستاذ إحسان عباس (ترجمة ابن تيمية) ص ٧٤ - ٨٠.

18

هيئته ولباسه:

كان رحمه الله متوسطاً في لباسه وهيئته لا يلبس فاخر الثياب بحيث يُرمَق ويُمد النظر إليه، ولا أطماراً ولا غليظة تُشهر حال لابسها، بل كان لباسه وهيئته كغالب الناس ومتوسطهم، وكانت بذاذة الإيمان عليه ظاهرة لا يُرى متصنّعاً في عمامة ولا لباس، ولا مشية ولا قيام، ولا جلوس ولا يتهيأ لأحد يلقاه(١).

شيوخه:

من شيوخه: والده عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيميَّة أخذ عنه الفقه والأصول. وقرأ العربية على ابن عبدالقوي (ت سنة ٦٩٩ هـ). وسمع من خلق كثير منهم:

أحمد بن عبدالدائم (ت سنة ٦٨٨ هـ)، وعبدالرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي (ت سنة ٦٨٢ هـ)، والقاضي شمس الدين الحنفي (ت سنة ٧١٠ هـ)، والشيخ شرف الدين أحمد بن نعمة المقدسي (ت سنة ٦٩٤ هـ)، وشمس الدين محمد بن عبدالرحيم المقدسي (ت سنة ٦٨٨ هـ)، والشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر (ت سنة ٦٧٢ هـ)، ويحيى بن أبي منصور بن الصيرفي (ت سنة ٦٨٧ هـ)، والقاضي شمس الدين أبو محمد عبدالله بن عطاء بن حسن الأذرعي الحنفي (ت سنة ٦٧٣ هـ)، والشيخ علي بن أحمد البخاري (ت سنة ٦٩٠ هـ)، والشيخ نجم الدين أبو العز يوسف بن علي المجاور الشيباني (ت سنة ٦٩٠ هـ)، والشيخ حامد أبو حامد محمد بن علي بن الصابوني (ت سنة ٦٨٠ هـ)، وأم أحمد زينب بنت مكي بن علي الحرّاني (ت سنة ٦٨٨ هـ)، والمؤمل بن محمد البالسي (ت سنة ٦٧٧ هـ)، وشرف الدين بن القواس (ت سنة ٦٨٣ هـ)، ويحيى بن عبدالرحمن بن عبدالوهاب الحنبلي (ت سنة ٦٧٢ هـ)، والشيخ أبو الفرج

(١) الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار. تحقيق الأستاذ زهير الشاويش ص ٥٣.

19

عبدالرحمن البغدادي (ت سنة ٦٧٠ هـ)، والكمال بن عبد، والقاسم الإربلي، وأحمد بن أبي الخير، ومجد الدين بن عساكر، والمسلم بن علّان، والنجيب بن المقداد، وخلق كثير. وشيوخه الذين سمع منهم أكثر من مئتي شيخ(١).

تلاميذه:

من هؤلاء التلاميذ الذين كانوا أَنجُماً متألقة في سماء الفكر والمعرفة والدعوة، والذين أضحوا من بعده من أشهر رجال الإسلام بما خلّفوا من الآثار التي طار ذكرها في الأمصار، وانتفع بها أبناء الأمصار.

فمنهم: أشهر تلاميذه ووارث علومه، العالم الرباني، شيخ الإسلام الثاني، العلامة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي، المفسّر النحْوي، الأصولي المتكلم، الشهير ((بابن قيم الجوزيّة)).

قال ابن العماد: هو المجتهد المطلق. وقال ابن رجب: ولد شيخنا سنة ٦٩١ هـ، ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية وأخذ عنه، وتفنّن في كافة علوم الإسلام. وكان عالماً في التفسير لا يُجارى فيه، وبأصول الدين وإليه فيه المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الإستنباط منه لا يُلحق في ذلك، وبالفقه والأصول، والعربية وله فيها اليد الطولى. وكان ذا عبادة وتهجّد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث

(١) انظر تذكرة الحفاظ للذهبي جـ ٤، والرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي ص ٦٠، والوافي بالوفيات للصفدي ٢٨/٦ - ٢٩، والبداية والنهاية لابن كثير ٢٤٤/١٣، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ٢١٣/٩، والدرر الكامنة لابن حجر ٩١/١ - ٩٢، وشذرات الذهب لابن العماد جـ ٥، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، الأجزاء ١، ٥، ١٣، والأعلام للزركلي، الأجزاء ٣، ٤، ٨، وابن تيمية وجهوده في التفسير لابراهيم خليل بركة ص ٥٥ - ٦٠، وشيخ الإسلام ابن تيمية سيرته وأخباره عند المؤرخين ص ٨١٧ - ٢٦ - ٤٩، ٥٧.

20