وإننا نحيط علم حضرات القراء بقليل من كثير من النجاح الفائق الذي صادفته هذه الرسالة الفريدة في بابها عند كبراء الإفرنج الذين يقدرون الأشياء حق قدرها؛ فقد بعث الموسيو ميسمر رئيس الإرسالية الفرنساوية سابقا المشهود له بكثرة المعارف واتساع الاطلاع يهنئ المؤلف ويقول له: «لقد أفحمت خصمك، وإن الحق لفي جانبك، ولو أنك وضعت على كتابك الذي طبع على حدة هذا العنوان (رد مسلم على الكردينال لافيجري)
2
لكان نال اشتهارا فائقا وسارت بذكره الركبان.» وكذلك الموسيو ريبو أحد نواب فرنسا وناظر خارجيتها، أرسل إليه يشكره شكرا جزيلا، ومثله المسيو أندري لوبون (شقيق العلامة الفيلسوف جوستاف لوبون صاحب كتاب تمدن العرب) الموظف في وظيفة ناظر القلم الخاص برئيس مجلس السناتو في فرنسا، فإنه بعث إليه بعبارات الشكر الرائقة، وقد كتب إليه حضرة الموسيو ماسيجلى أحد كبار مدرسي القوانين بمدرسة الحقوق بباريس يقول فيه: «إني أشكرك على لطفك الكثير وكرمك الجزيل في إتحافي بنسخة من كتابك على الاسترقاق، وقد تلوته باهتمام زائد والتفات وافر، وإني أهنئك على إتمام هذا الصنع الباهر ... إلخ.» وكتب إليه الموسيو موجل ناظر الإرسالية المصرية بفرنسا حالا يقول: «إني لأشكرك من صميم الفؤاد على إتحافي بنسخة من بحثك المفيد الجليل الذي تحريت فيه الكلام على الاسترقاق، ولم يكن لي علم به إلا من بضعة سطور رأيتها في بعض الجرائد، أما الآن وقد تلوته من أوله إلى آخره فقد وقفت على مكانته من الأهمية والخطارة، وعلمت مقدار ما استوجبه من البحث والتنقير، ولعمري إن ذلك شيء عظيم وأمر خطير ... إلخ.» وكتب إليه الموسيو داجين السكرتير العام لجمعية مقارنة الشرائع ومطابقة القوانين يقول: «قد وصل لنا كتابك على الرق في الإسلام، وإني أهديك الشكر الجزيل على لطفك في إتحافنا بهذا العمل المفيد، وسأحيط به علم أعضاء القسم الفرنساوي من جمعيتنا حتى يعينوا واحدا منهم ليقدم عنه خلاصة ننشرها في كراسة جمعيتنا ... إلخ.» وأرسل له أيضا العالم الموسيو دوليل ناظر الكتبخانة الأهلية بمدينة باريس يشكره على تفضله بإرسال نسخة من كتابه هذا إلى الكتبخانة المذكورة، وأنه وضعه فيها وسجل اسمه في دفاترها، وقد كتب إليه الموسيو بوكارا أحد المفتشين بقومبانية قنال السويس يقول له: «لقد سررت من كتابك سرورا عظيما، فإنه برهن لي على أنك لم تنسني، وقد تلوته بعناية واهتمام، وإنك أصبت في البدء بذكر خلاصة تاريخية وجيزة على الاسترقاق ولكنها جوهرية، وتكلمت عليه عند جميع الأمم في الأزمان القديمة والقرون الوسطى، ثم استنبطت هذه النتيجة التي تدل على أصالة رأيك وإصابة فكرك، وهي أن الاسترقاق عند جميع أمم الشرق كان مقرونا بتلطف وتعطف لا يجد نظيرهما الإنسان في مدينة رومة أو في بلاد اليونان، وقد أوضحت أن الأرقاء كانت معاملتهم بالحسنى في مصر على الدوام، وأكدت عن صدق الإرادة في تحسين حالتهم في هذا الزمان أكثر مما قد كان، ثم احتججت على دعاوى الكردينال لافيجري الذي يقول: (إن الزنوج عند المسلمين ليسوا من العائلة البشرية.) وإني أجد احتجاجك صحيحا شرعيا، وأستصوب كل الاستصواب ما فعلته في هذا الباب من الدفاع عن دينك وعن مليكك، ويا حبذا لو أن كل فرد من أفراد الفرنساوية يوفق لأن يفعل مثل ذلك بالنسبة لدينه وبلاده!» ثم ختم كتابة بتكرار الشكر وإعادة التهاني على ظهور هذا الكتاب من حيث شكله وموضوعه.
وقد كتب إليه الموسيو بيجوا المستشار الإكرامي في ديوان محاسبة باريس يشكره على إرسال نسخة من كتابه، وأنه تلاه باهتمام كثير، وتحقق بذلك أن دروسه التي تلقاها في فرنسا سيستخدمها في صالح بلاده وفائدة قومه ... إلخ. ثم كتب إليه صاحب الدولة رستم باشا سفير الدولة العلية في لوندرة يقول: «وصلني المكتوب الذي تفضلت بتحريره إلي في 12 الجاري شهر يوليو سنة 91 بقصد إرسال جملة نسخ من كتابك (الرق في الإسلام)، ولعمري إنه لا بد أن يأتي خير جسيم ونفع عميم من مثل هذا العمل الذي موضوعه الإثبات على أن الشريعة الإسلامية لا تقر على اصطياد الزنوج الحاصل في بعض أقطار أفريقيا، وإني أشكرك على النسخة التي تفضلت بإهدائها إلي، وسيحصل لي مزيد السرور من توزيع النسخ الباقية على الأشخاص وأرباب الجرائد الذين أرى فيهم الاقتدار على بث ما تضمنته بين جمهور الإنكليز، وتقبل يا حضرة البك أكيد احترامي وغاية إجلالي.
هذا، وما لبثت هذه الرسالة أن ظهرت في أوربا حتى أقبلت الجرائد الإفرنجية المهمة على تقريظها بما هي أهله، بل إن بعضها، مثل جريدة لاتوركي وغيرها، قد نشرتها برمتها في أعداد متوالية، لأنها لم تر وسيلة أفضل من ذلك لإحاطة علم قرائها بما حوته من المواضيع الشائقة والأقوال الصادقة.
الملحق الرابع
وبعد أن ظهر هذا الفصل في جريدة المؤيد جاء إلى المؤلف مكتوب في 30 أغسطس سنة 91 من المسيو أرتو روني، وهو من كبار العلماء في فرنسا، وله تآليف مهمة على مصر، وإليك تعريب هذا الكتاب:
سيدي:
لا يسعني إلا أن أقدم لك الشكر والثناء على كتابك (الرق في الإسلام) الذي تفضلت بإتحافي بنسخة منه، هذا وإذا كانت إقامتي في مصر غير طويلة المدى وجب علي أن أتطلع إلى معرفة كل ما يتعلق بهذه البلاد التي لها في فؤادي منزلة سامية قبل أن أبدي أفكاري الخصوصية على ما يجري فيها من الأمور، وعلى ذلك فإني أشهد بأن عملك الذي راعيت في تصنيفه جانب الصدق والأمانة قد جاء موافقا لكل ما اتصل بي عن هاتيك الديار، وكل ما سمحت لي الظروف بمشاهدته بنفسي، وقد روى لي بعض الذين نزلوا بمصر قبل أربعين سنة مضت أن استرقاق الزنوج ليس إلا ضربا من الاستخدام، أو شرطا للعمل يسري على العامل طول حياته، ويجوز فسخ هذا الشرط بالسهولة التامة، ولا يتخلل هذا الاسترقاق شيء ينافي مبادئ الإنسانية، وأن استرقاق المماليك ليس إلا نوعا من التبني، وكثيرا ما وصل بالأرقاء إلى مراقي الشرف والسعادة، ولقد بلغني نبأ زنوج يقومون بإطعام مواليهم حينما طعنوا في السن وصاروا من المغضوب عليهم، أو عبثت بهم أيدي الفقر والاحتياج، وما قولك في ذلك النادي الذي دخل فيه أحد أصدقائي وقيل له بخشوع وتبجيل أن انظر إلى هؤلاء الذوات فكلهم من معتوقي الباشا فلان، ويا حبذا لو وضع كتاب شاف مفصل في تاريخ الخمسمائة سنة التي حكمت فيها المماليك على مصر، فإنهم كلهم من الأرقاء قد اختارهم مواليهم من أجمل وأذكى الأطفال الذين جيء بهم من بلاد الشركس أو غيرها.
وقد شرح العلامة المقريزي كيفية تربية المماليك بقلعة الجبل بما يشعر بمقدار العناية الفائقة بهم، ومزيد الالتفات إلى شأنهم، فإنهم كانوا يرشحون على حسب قواهم العقلية للقتال أو السياسة أو الفنون والملاهي أو العلم والمعارف، ولذلك بلغ عصر المماليك مبلغا عظيما من الحضارة والفخامة، مع ما كان فيه من انتشار الفوضى والاضطراب، فهم الذين ملئوا القاهرة بهاتيك الآثار الباهرة والقصور الفاخرة التي يؤمها الزوار من سائر الأقطار.
Неизвестная страница