شكر جرانت السيد تاليسكر وذهب ليلقي نظرة على «دليل الشخصيات البارزة». كان يريد عنوان هيرون لويد.
ثم بعد ذلك ذهب ليتناول الطعام، وبدلا من أن يذهب إلى فندق كاليدونيان، الذي كان ملائما ويحمل عددا كافيا من النجوم، أطاع دافعا خفيا بداخله وسار إلى الطرف الآخر من البلدة ليتسنى له أن يتناول الطعام في المكان الذي كان قد تناول فيه إفطاره مع شبح راكب المقصورة «بي 7» في ذلك الصباح الكئيب من بضعة أسابيع فحسب.
لم يكن المكان شبه معتم اليوم؛ إذ كان مضيئا ومتألقا بالفضة والزجاج والمفارش الكتانية. بل إنه كان يوجد نادل رئيس يتجول بالمطعم. لكن أيضا كانت ماري هناك؛ هادئة ورصينة وبدينة كما كانت في ذلك الصباح. تذكر جرانت كم كان في حاجة إلى من يهدئ من روعه ويطمئنه، ولم يكد يصدق أن ذلك المخلوق المعذب والمنهك كان يمكن أن يكون هو.
جلس جرانت إلى الطاولة نفسها بجوار الستائر أمام باب الخدمة، فأتت ماري لتأخذ طلبه وتسأله عن أحوال الصيد في نهر تورلي في هذه الآونة. «كيف عرفت أنني كنت أصطاد في نهر تورلي؟» «كنت مع السيد رانكن حين أتيت لتناول الإفطار، حين نزلت من القطار.»
حين نزل من القطار. كان قد نزل من القطار بعد تلك الليلة المليئة بالمعاناة والصراع؛ تلك الليلة البغيضة. قد نزل من على متن القطار تاركا راكب المقصورة «بي 7» ميتا بعد أن نظر إليه نظرة عابرة ومر به شعور عابر من مشاعر الأسى. لكن راكب المقصورة «بي 7» كان قد سدد مقابل تلك اللحظة من التعاطف البسيط بمئات الأضعاف. كان راكب المقصورة «بي 7» قد رافقه، وفي النهاية أنقذ حياته. كان راكب المقصورة «بي 7» هو من أرسله إلى الجزر الغربية، في ذلك البحث المجنون وسط الرياح والصقيع عن العدم. في ذلك المكان الغريب العبثي فعل جرانت كل تلك الأشياء التي ما كان سيفعلها في أي مكان آخر؛ لقد ضحك حتى سالت دموعه، ورقص، وترك نفسه حرا كورقة شجر تطير من أفق فارغ إلى آخر، وغنى، وجلس جامدا يراقب وينظر. وعاد إنسانا مكتملا. كان مدينا لراكب المقصورة «بي 7» بأكثر مما يمكن له أن يسدد في أي يوم من الأيام.
وأخذ يفكر في بيل كينريك وهو يتناول غداءه؛ ذلك الشاب الذي كان بلا جذور. هل كان وحيدا في حياته المتحررة، أم كان حرا فحسب؟ وإن كان حرا، أفكانت حريته كحرية طائر السنونو، أم كالنسر؟ أكانت سعيا إلى العلا، أم تعاليا وتغطرسا؟
على الأقل كان يتحلى بصفة كانت نادرة ومحببة في كل العصور والأزمنة؛ كان رجل أفعال كما كان شاعرا بالفطرة. هذا ما يميزه عن حشود موظفي أورينتال كوميرشال التافهين الذين كانوا يطيرون بطائراتهم عبر القارات في غفلة كالبعوض. هذا ما يميزه عن حشود الساعة الخامسة في محطة قطار لندنية، الذين كانت المغامرة عندهم عبارة عن ركوب قطار بنصف كراون في أي من الاتجاهين. ولو لم يكن الشاب المتوفى في المقصورة «بي 7» مثل سيدني ولا جرينفل، فعلى الأقل كان واحدا من نوعيتهم.
ومن أجل ذلك كان جرانت يحبه.
قال الصوت في داخله: «أتعرف، إن لم تأخذ حذرك فستتحرك «مشاعرك» تجاه بيل كينريك.»
فقال جرانت مبتهجا: «لقد تحركت بالفعل»، فتراجع الصوت في صمت منهزم.
Неизвестная страница