شرعوا يتحدثون عن الجزر الغربية. وقص تومي قصة لطيفة عن رجل طارت قبعته بينما كان يصعد على متن قارب في بارا، ووجدها تنتظره على رصيف ميناء ماليج. وكانت لورا تلقي بالطرف حول استحالة الحديث بلغة لا تحتوي على كلمات عمرها أقل من مائتي عام، وقدمت سردا تخيليا لحادثة طريق. («كذا وكذا دراجة، كذا وكذا سبيند، كذا وكذا مكابح، كذا وكذا محرك جر، كذا وكذا سيارة إسعاف، كذا وكذا نقالة، كذا وكذا مخدرا، كذا وكذا عنبرا خاصا، كذا وكذا مخطط درجة حرارة، كذا وكذا زهور الأقحوان، زهرة فريزيا حوذان النرجس القرنفل ...») كانت زوي قد أقامت في الجزر الغربية وهي طفلة، وكانت عليمة بصيد السلمون؛ وهو فن تعلمته على يد موهبة محلية تحت أعين مراقب الصيد الخاص بمضيفها.
كان جرانت مسرورا؛ إذ إن وجود هذه الضيفة لم يعكر صفو الجو الأسري في كلون بأي شكل من الأشكال. بدت المرأة غير مدركة لمدى جمالها، ولا تتوقع الاهتمام من أحد. ولم يندهش جرانت أن بات أصبح مفتونا بها.
ولم يذهب عقله إلى التفكير في حقيبة الخطابات التي تنتظره في مكتب البريد في مويمور إلا حين أغلق عليه باب غرفته وأصبح وحيدا. حقيبة من الخطابات! حسنا، في نهاية المطاف لم يكن ذلك مفاجئا بصورة لا يمكن تحملها. إن حياة المرء في دائرة المباحث الجنائية كيفت المرء على وجود هواة كتابة الخطابات. كان يوجد أشخاص أكثر ما يهمهم في الحياة هو كتابة الخطابات. إلى الصحف، إلى الكتاب، إلى الغرباء، إلى مجالس المدن، إلى الشرطة. لم يكن يهم كثيرا المرسل إليه الخطاب؛ إذ بدا أن الرضا الناتج عن الكتابة هو كل ما يهم. سبعة أثمان تلك الكومة من الخطابات ستكون نتاج أولئك الذين هوايتهم كتابة الخطابات.
لكن كان لا يزال هناك الثمن الأخير.
عم سيفصح الثمن الأخير؟
في الصباح شاهد الضيفة وهي تجهز أدواتها من أجل الذهاب إلى النهر، وتمنى لو كان ذاهبا معها، ولكن كانت رغبته في الذهاب إلى مكتب البريد في مويمور أكبر. انطلقت من دون إثارة جلبة، مكتفية بذاتها ومتوارية عن الأنظار، وحين كان جرانت يشاهدها وهي تسير على طول الطريق فكر أنها كانت أشبه بصبي مراهق منها بأرملة نبيلة منتظرة. كانت ترتدي بنطالا في غاية الأناقة وسترة قديمة بالية كتلك التي يرتديها الحطابون، وعلق قائلا لتومي إنها إحدى النساء القلائل اللائي يبدون جميلات حقا وهن يرتدين البنطال.
فقال تومي: «إنها المرأة الوحيدة في «العالم» التي تبدو جميلة وهي ترتدي بنطال التخويض.»
وهكذا غادر جرانت للقاء السيدة مير في مويمور. كانت السيدة مير تأمل في أن يكون لدى جرانت سكرتير، وقدمت له فتاحة خطابات. كانت الفتاحة فضية رفيعة، وملطخة للغاية بحيث فقدت بريقها ولمعانها، وكانت لها رأس شائك مصنوع من حجر الجمشت. وحين أشار إلى أن الفتاحة مميزة وذات قيمة عالية في هذه الأيام، وأنه لا يمكنه أن يقبل هدايا ثمينة من نساء غريبات، قالت له: «سيد جرانت، ذلك الشيء موجود في متجري منذ خمسة وعشرين عاما. صنع ليباع هدية تذكارية أيام ما كان الناس يقرءون. والآن كل ما يفعلونه هو أنهم يشاهدون ويستمعون. وأنت أول شخص أقابله طوال ربع قرن يكون «في حاجة» إلى فتاحة خطابات. بالتأكيد، عندما تنتهي من فتح كل الخطابات الموجودة في تلك الحقيبة، ستكون في حاجة لما هو أكثر من فتاحة خطابات، على ما أظن. على أي حال، هذه هي المرة الأولى والأخيرة في هذا المكتب التي يصلني فيها حقيبة بريد مرسل لشخص واحد، وأريد أن أجعل هذه المناسبة مميزة. لذا خذ الفتاحة الصغيرة!»
أخذها شاكرا، ورفع الحقيبة في السيارة وعاد إلى كلون.
فقالت في إثر مغادرته: «الحقيبة من ممتلكات مكتب البريد؛ لذا عليك أن تعيدها!»
Неизвестная страница