ومن خمود الشبعى المتخمين انتفضت آلاف الجماهير مستردة وعيها وانتباهها حاشدة قواها، تكاد تقف على أطراف أصابعها قلقا وذهولا وخوفا.
وفي هجمته المنتفضة الثالثة أو الرابعة اندفع السيف من تلقاء نفسه طائرا في الهواء، وكأنما قذفه خارج الصدر بركان تفجر داخله.
وأصبح الثور أكثر انطلاقا.
واندفع في اتجاه المصارع.
ولم يكن في العملية كلها سواء من جانب الثور أو جانب المصارع تكتيك أو أصول أو حساب وقواعد. كان الثور يهاجم وحين يتفاداه الشاب يغير من اتجاهه ويستمر يهاجم، ولم يكن يهاجم العباءة الحمراء وحدها، أصبح يهاجم العباءة إن وجدها وجسد المصارع نفسه إذا كان أمامه. ومزقت قرناه العباءة أكثر من مرة، وبالكاد كان يجد المصارع وقتا أو مكانا لاستبدالها.
وكان لا بد أن يحدث ما حدث.
ففي هجمته اشتبكت قرون الثور بثياب المصارع. ودفع الثور رأسه إلى أعلى، ولكن هذه الحركة البسيطة أطارت الشاب النحيف في الهواء وأسقطته على بعد أمتار. ولحسن الحظ جاءت سقطته قريبا من السور، واندفع نافذا بجلده ليحتمي بالعارضة القريبة من الثور المقبل عليه، والكلمة المكتوبة على جبينه تتوهج وكأنما تحولت حروفها إلى نار. وحين خرج ستة مصارعين لتعطيله حتى يتمكن زميلهم من الوصول إلى العارضة، اندفع الثور يكتسحهم، وبانقضاضة منه يدور عليهم مشتتا شملهم بحيث يطلق كل منهم ساقيه للريح يبحث عن عارضة تحميه.
وفعل هذا كله دون أن ينسى غريمه؛ فقد أقبل على العارضة التي يختفي خلفها، ولم يهمه أنها من الخشب؛ فقد نطحها بقرنه أكثر من مرة، وحين لم يجد فائدة وقف أمامها لا يتحرك متربصا لغريمه تربص قاتل صمم على الإجهاز.
أكدت الحادثة أن النية التي تحملها ملامحه وتتوهج نارية من عينيه نية حقيقية لن يتراجع إلا بتحقيقها، وأكدت هذا أول ما أكدته للمصارع نفسه، وبهذه الانقضاضة التي لولا ضربة حظ عشواء لأتت عليه. وفي الحال انقلب خط الدفاع عن النفس الذي كان قد اتخذه إلى غضب أحمق مجنون هو الآخر، وانقلبت عنده نية قتل الثور من نية قتل طلبا للبطولة، إلى نية قتل غريم وعدو لدود، ألد الأعداء، قاتلك.
وهكذا لم ينتظر أن يغادر الثور مكانه ليدع له فرصة الخروج، أشار إلى زملائه آمرا بنفس لهجة الغضب أن يلوحوا للثور بعباءاتهم ليبعدوه عن مكان الخروج. ولم يأبه الثور للتلويحات الأولى وكأنما هو قد حدد غريمه وطاعنه ولا يريد أن ينشغل للحظة واحدة عنه.
Неизвестная страница