70

Люди, которых я знал

رجال عرفتهم

Жанры

محمد فريد وجدي

هو فريد عصره غير مدافع!

وتلك كلمة مألوفة، طالت ألفتها حتى رثت وبليت وأصبحت حروفا بغير معنى.

ولطالما قيلت عن عشرات من حملة الأقلام في عصر واحد، كلهم فريد عصره، وكلهم واحد من جماعة تعد بالعشرات، فلا معنى لها في باب العدد ولا في باب الصفات، ولا سيما صفات الرجحان والامتياز.

إلا أننا نقولها اليوم عن «محمد فريد وجدي» لنعيد إليها معناها الذي يصدق على الصفة حرفا حرفا، ولا ينحرف عنها كثيرا ولا قليلا حتى في لغة المجاز.

فقد عرفنا في عصره طائفة غير قليلة من حملة الأقلام ورجال الحياة العامة، فلم نعرف أحدا منهم يماثله في طابعه الذي تفرد به في حياته الخاصة أو العامة، وفي خلقه أو تفكيره، وفي معيشته اليومية أو معيشته الروحية، وأوجز ما يقال عنه في هذه الحالات جميعا أنه لم يخلق في عصره من يتقارب المثل الأعلى والواقع المشهود في سيرته كما يتقاربان في سيرة هذا الرجل «الفريد».

نعم، الفريد حتى في لغة الجناس؛ لأن اسمه فريد، والفريد حتى في عزلته؛ لأنه كان في عزلة النساك والرهبان، عليما غاية العلم بالتحليل والتحريم.

بدأ حياته الفكرية على مبدأ لم يخالفه قط في أيام رخاء ولا في أيام عسرة، فقصر طعامه على النبات، وانفرد بهذا الطعام بين أهل بيته، واجتنب الولائم التي يدعى فيها إلى طعام غير طعامه.

وأخذ نفسه بسمت الأولين من عباد «الله» الصالحين، فتورع عن كل بدعة من بدع الضلالة أو الجهالة ينكرها الدين، وجهر باستنكاره لهذه البدع حين صمت الصياحون من الناطقين.

ذكرنا في حديث الخديوي و«البكري» - في غير هذا الفصل - قصة الطرق الصوفية يوم توديع المحمل بميدان المنشية، وخلاصتها أن السيد «محمد توفيق البكري» كان محنقا على الخديو في بعض السنين، فمنع أصحاب الطرق من الخروج لموكب المحمل تحية للأمير في ميدان الاحتفال، فخلا الميدان إلا من الموظفين المدعوين، وغضب الأمير لأنه فهم من ذلك أنه زراية بالموكب الذي تعود أن يشهده العام بعد العام، فانتهر السيد «توفيق» وقال له بصوت مسموع على ملأ من رجال الدولة: «أنت قليل الأدب!» وغضب السيد «توفيق»، فانصرف من الاحتفال وهو يقول للأمير بصوت مسموع كذلك بين الحاضرين: «لست أنا قليل الأدب. إنني وزير مثلك، وآبائي وأجدادي لهم الفضل على آبائك وأجدادك.»

Неизвестная страница