ت للنبي المرسل
وإنه بمثل هذا اليقين لخليق أن يكذب كل هاتيك الشكوك التي تثيرها أوهام الجهلاء وخرافات أصحاب الخرافات من المقلدين.
وجملة القول في الديوان المفقود وفي الدواوين المنشورة أنها طور واحد من الفكر لم يتغير في مدى خمسين سنة، ويوشك أن ينقل كل بيت في ديوان من هذه الدواوين المتتابعة إلى ديوان آخر صدر قبله أو بعده، بغير اختلاف في المعنى أو في النسق أو في الأسلوب، إلا ما تقتضيه المرانة الطويلة من تيسير النظم في نهاية الشوط بعد تعسر فيه عند الابتداء.
والسرعة في التفكير، مع السرعة إلى العدول عن الفكرة في وقت واحد، هما آفة العجلة في مواجهة «الزهاوي» لمسائل العلم والأدب أو مسائل الاجتماع والأخلاق، فليس أسرع منه إلى اختطاف الرأي الشائع أو اختطاف الرد عليه، ونحسب أن بنية الرجل «مسئولة» كما يقولون عن هذا الولع بالسرعة والقلق من الاستقرار؛ فإن مصابه بالداء الذي أقعده عن الحركة قد بدأ معه اضطرابا مقلقا، قبل أن يثقل على أعصابه ويثقله عن حركته، وما أكثر ما نظم في «الصراط» وصعوبة العبور عليه من شعره الأول ومن شعره الأخير.
ولا ريب عندنا، ولا عند قراء «الزهاوي» شعرا ونثرا، في قدرته الفكرية ولا في ملكته الرياضية، ولكنك تراجعه من بواكيره إلى خواتيمه، فيبدو عليه أنه يثب إلى الآراء وثبة بعد وثبة، ولا يتطور معها على أمد مديد يتصل فيه الانتقال من مكان إلى مكان، فهو في وثباته المتلاحقة على مكان واحد يصعد منه وينزل إليه، ويثبت عليه صاعدا ونازلا ومترددا ومستقرا، وهكذا كان في آخر ديوان كما كان في أول ديوان، وللقارئ بعده أن يبقيه حيث شاء، بما هو أهل للبقاء.
3
جاءني الخطاب الآتي من أحد القراء ب «تونس»، قال كاتبه الأديب بعد ديباجة التعارف:
أما الآن فبقيامكم ضد الثرثارين، وتقويضكم لبناء ما كانوا يحسبونه آثارا أدبية، وإماطتكم عن كل من كنا نعدهم من الشعراء الفحول والكتاب المبرزين، قد أسفرت النتيجة عن تجدد حقيقي في اللغة والأدب؛ إذ أدركوا ما ترمون إليه في انتقاداتكم، فهبوا يتبارون فيه جاهدين قرائحهم وصارفين مهجهم نحو «الحياة»، نحو «الجمال»، نحو «المثل العليا»؛ تلكم الكلمات الحية التي ما وجهت طرفي نحو أي سطر من فصولكم ومطالعاتكم ومراجعاتكم، ونحو أية صفحة مما تكتبون؛ إلا عثرت عليها، ولصرف مهجتكم إلى هذه المطالب ونقدكم الصحيح الخالص من الأغراض، وسعيكم وراء الحقيقة - رضي القوم أم غضبوا - أتيت أعرض عليكم كلمة في رفيق صباي ومربي روحي، راجيا منكم التفضل بإبداء رأيكم فيه، ولكم الشكر الجزيل سلفا؛ لأن كل هاتيكم الخلال جعلتني كما جعلت غيري يعتبرون قولكم الفصل فيمن تكتبون له أو عليه.
ذلكم الرفيق يا سيدي هو فخر العراق، كما تقولون، جميل صدقي الزهاوي، فقد عرفته منذ دخلت المدرسة وولعت بديوانه، حتى إنني كدت أن أحفظه نثرا ونظما، فمن نزعته في الشعر إلى قوله في القبر:
ولست بمسئول إذا ما سكنته
Неизвестная страница