قالت زين: كانت هذه الصرخة الأخيرة التي يطلقها العبد قبل أن ينتزع من وطنه إلى بلاد غريبة.
أقبل علينا بعض الصيادين يتكلمون لغة السواهيلي، التقط بعض كلمات تشبه العربية، أحسنت، تفضلي. أما كلمة «سوا سوا» فمعناها «بخير».
بعض المحلات بجوار المحيط، وشباب يعملون بأيديهم تماثيل بديعة من الخشب والعاج، عيونهم تلمع وأسنانهم تلمع وأمواج المحيط تضرب الشاطئ بهدوء، وعلى الجدار لا تزال الحروف محفورة: «هنا أترك قلبي»، يرمقونها فتكسو عيونهم سحابة الذكرى لماض أليم. •••
في الطريق إلى غابة «ميكومي» رأيت جبل كليما نجارو، قمته عالية ترتبط في ذهني بأرنست همنجواي. كان صيادا يسير تحت الشمس ويكتب القصص.
أحلم ببيت صغير فوق الجبل أعيش فيه وحدي وأكتب الرواية، منذ أعوام تؤرقني الفكرة، لكن الأيام تمر والسفر يأكل العمر، لكني منذ رأيت الأسد الحر في الغابة وأنا مشدوهة إلى الغابة، وفي السيارة الجيب ركبت إلى جوار المرشد أبحث عن الأسد، غربت الشمس ولم نعثر على الأسد، رأينا اللبؤة فقط.
وقلت للمرشد: يبدو أن عدد الإناث أكثر من عدد الذكور في الأسود. وضحك قائلا: لا، ولكن اللبؤة هي التي تخرج للاصطياد لإطعام أطفالها. أما الأسد فهو لا يطعم إلا نفسه. الأنانية صفة الذكورة دائما، والأنثى أقوى من الذكر في الحيوان. لا يستطيع الذكر أن يقترب من الأنثى إلا إذا أعطته الإشارة، وهي لا تعطيه الإشارة إلا في أيام معينة في فترة الحرارة، بقية الشهر أو العام تنشغل بإطعام أطفالها، وتضرب الذكور حتى لا يأكلوا صغارها. لم يحدث في تاريخ الغابة كلها أن اغتصب ذكر الأنثى من أي فصيلة. وهذا يعني أن الاغتصاب ليس إلا عمل من صنع الإنسان.
وضحك المرشد مرة أخرى، بشرته سوداء بلون الفحم، وأسنانه بيضاء، يتكلم بلغة إنجليزية، ويبدو أنه ملم بطبائع الحيوانات والبشر، ثم حكى لي قصة الصياد. قال: كان الصياد يسير تحت الشمس، ويرى ظله من ورائه طويلا أسود يتحرك معه، وأحيانا يتحرك وحده، وقال لنفسه: سبحان الله! وبدأ يخاف من ظله حين يتبعه، يتصوره رجلا آخر يقتفي أثره، وينتهز أي فرصة لاغتياله، وأخيرا توقف حين رآه واستدار بسرعة وضربه على رأسه بالبندقية، ثم حملق في الجسد الميت تتدرج منه الدماء، لم يكن يشبه بني آدم، صرخ: شيطان! جره من قوائمه الأربعة إلى بيته، شواه على النار وأكل لحمه بشهية، ثم شعر بقوة سحرية في بدنه. قال لنفسه: سبحان الله! لا بد أنها القوة الإلهية. أطفأ النار، وحوط الجسد بعيدا عن الذرة الجافة، ودار حوله يرقص طربا محتفلا بالعيد الكبير، وحوطه إخوته الذكور، وأكلوا جميعا حتى شبعوا ثم رقصوا على شكل حلقة ينشدون أغنيتهم المقدسة:
قتلنا الشيطان وأكلنا لحمه قبل أن يأكلنا
ونغني له في العيد لننسى أننا ذبحناه
لحمه لذيذ شهي نخفيه عن النساء
Неизвестная страница