Мои путешествия по миру

Наваль Эль Саадави d. 1442 AH
160

Мои путешествия по миру

رحلاتي في العالم

Жанры

تجمع بعض الأطفال حول السيارة وجروا خلفنا كما يفعل أطفال القرى في مصر، وجوه الأطفال ناحلة شاحبة كأطفال قريتي، يغطيها الذباب. وقالت «أم علاء»: جزيرة زنجبار فيها ثراء كثير؛ لإنتاجها الوفير من القرنفل، لكن الناس هنا لا يجدون اللحم ولا الخضروات ولا حتى الماء، كل شيء يستورد من دار السلام، ضرورات الحياة غير موجودة فوق الجزيرة، لكن التليفزيون الملون موجود، وكماليات أخرى مستوردة من أوروبا وأمريكا.

الأطفال البنات يرتدين جلاليب طويلة ويغطين رءوسهن، البنت التي تسير في الشارع بجلباب قصير وإن كان عمرها عشر سنين فهي تعرض نفسها للحبس من ثلاثة أيام إلى ستة شهور، صوت المؤذنين يرتفع من فوق المآذن وميكروفونات الإذاعة والتليفزيون الملون.

وصلنا إلى ميدان صغير مربع اسمه ميدان العبيد، تتوسطه كنيسة ضخمة تشبه كنائس العصور الوسطى، ونوافذها ذات القضبان تذكرني بمحاكم التفتيش. من خلف الكنيسة مبنى آخر كالقصر بني على أعمدة، تحوطه الأشجار، جدران القصر مسودة كآثار حريق قديم. كان السلطان يعيش في هذا القصر عام 1899 وسط مائة من نسائه «حريم السلطان»، وتآمرت النساء ضد السلطان وحرقن القصر ثم هربن في الزوارق إلى المحيط، إلى جوار القصر المسمى بيت العجائب رائحة القرنفل تعبئ الجو، والساحل يتمدد حتى الأفق، أشجار جوز الهند طويلة رفيعة ممتدة من السماء، وشجر المانجو أوراقه كثيفة خضراء، يهزها الهواء القادم من المحيط، الصخور ترتفع في المياه سوداء كرءوس العبيد تتكسر عليها الأمواج، بيت العبيد كالصخرة المطلة على الزمن البعيد، والكهف الصخري في قاع البيت كان مخزنا للعبيد يخزنون فيه كما تخزن البضاعة، ويعيشون شهورا داخل الكهف مع الثعابين، في الميدان كانوا يسوقون الرجال والنساء بالسلاسل، وفي المتحف الصغير رأينا السلاسل الحديدية من وراء الزجاج، فوق الحديد بقع سوداء كالدم القديم.

عدنا إلى البيت بقلب ثقيل، وفي بيتها على مائدة الغداء التقيت بزوجها المصري، ورجلين آخرين أحدهما موظف اسمه «محمود» يعمل في السفارة المصرية في دار السلام، والثاني أحد الزعماء الوطنيين في زنجبار اسمه الشيخ علي محسن، وجه قوي وحزين كالأسد الحبيس، تمتزج فيه الملامح العربية والأفريقية كما امتزج العرب والأفارقة في زنجبار منذ مئات السنين، فلا تكاد تعرف الدم العربي من الدم الأفريقي.

حارب الشيخ «علي محسن» مع زملائه ضد الاستعمار الإنجليزي، ثم نالت زنجبار استقلالها السياسي وبدأت تسعى نحو الاستقلال الاقتصادي، وهنا ضرب الاستعمار ضربته متعاونا مع السلطة في دار السلام؛ فالاستعمار لا يرى ضررا كبيرا في أن تستقل البلاد الأفريقية سياسيا ما دام اقتصادها لا زال يرتبط بالسوق الرأسمالية، ولا يطيق أن يخرج بلد من قبضته الاقتصادية.

وكان في استطاعة الشيخ «علي محسن» والوطنيين في زنجبار أن يواجهوا الضربة لو أنها حدثت في النور، ولكن مذبحة زنجبار حدثت في الظلام، قتل فيها آلاف الرجال والنساء ودفنوا تحت الأرض، وحبس علي محسن وغيره من زملائه في سجون دار السلام، ومات منهم في السجون من مات واستطاع «علي محسن» أن يهرب وينجو بحياته.

أما دماء القتلى المدفونين تحت الأرض فلا تزال تفوح وتملأ الجزيرة الحزينة برائحة خانقة غريبة تشبه رائحة جريمة لم يكشف النقاب عنها بعد، وقال الشيخ علي محسن: الإنجليز يخشون زنجبار؛ لأن الثورة كامنة. وقد تنتقل إلى تنزانيا وبلاد أفريقية أخرى، الاستعمار الإنجليزي لا زال يعمل في الخفاء في أفريقيا ومعه أمريكا.

كانت «هدى» تحرك مفتاح «الراديو» الصغير بأصابعها الرفيعة حين رن في الجو فجأة صوت مذيع يتحدث اللغة العربية ويقول: صرح الرئيس المصري أنور السادات في واشنطن بأنه سيرسل جنوده لتحارب في الصومال ضد الحبشة؛ من أجل الدفاع عن منابع النيل، وضحك «محمود» المصري وقال: وحين أرسل جنوده إلى زائير كان يدافع عن ماذا؟

ورد «أبو علاء» المصري: يقول إنه رجل سلام ويرسل جنوده لتحارب في أرض الغير، وأرضه لا تزال محتلة بإسرائيل، أصبح مندوبا لأمريكا للدفاع عن مصالحها في أفريقيا، ويعارض قرار 49 دولة أفريقية في منظمة الوحدة الأفريقية، ويقف مع الحكومات المعادية لحركات التحرير، بعد أن كانت حجة الدفاع عن البحر الأحمر أصبح الآن يدافع عن منابع النيل.

وخيم على الجميع الصمت والوجوم، وانقطع صوت المذيع في الراديو، وبدأت موسيقى أمريكية وأغنية باللغة الإنجليزية تقول: دعني يا حبيبي أقرر مصيري.

Неизвестная страница