غامت عيني بسحابة، لكن تذكرت فجأة أنني غير متزوجة، وانقشعت الغمة، ولمعت عيناي بالبريق، وهتفت بصوت رن في صالة المطار كرنين الفضة: أنا كاملة الأهلية، ولا أحد يمتلكني، اللهم إلا الدولة .
وزمجر الشرطي بصوت غليظ كالشخير: أنا أسألك عن موافقة الزوج!
وقلت: وأنا أقول لك إنني حسب القانون يمكنني السفر بدون موافقة الزوج؛ لأنني امرأة حرة بغير زوج.
وصاح بغضب: وهل معك ما يثبت أنك غير متزوجة؟
وبحركة سريعة أخرجت من حقيبتي ورقة طويلة تشبه شهادة ميلادي، أو شهادة النجاح والتخرج النهائي، رفعت الورقة البيضاء فوق رأسي كالراية أو كطوق النجاة، وبحركة أخرى سريعة وضعتها في يده تحت عينيه.
قرب الورقة من عدسته البوليسية وفحصها بدقة، راجع أختامها وتوقيعات المأذون والشهود ثم زمجر: لماذا لم تقولي منذ البداية أنك مطلقة (نطقها بفتح اللام)؟
وقلت بغضب: أنا لست مطلقة (بفتح اللام) ولكن مطلقة (بكسر اللام)!
رغم مرور عشرين عاما على تلك الرحلة الأولى خارج الوطن. لا زال صوتي يرن في رأسي وأنا أضغط على الشدة تحت اللام المكسورة، والشرطي جالس أمامي من وراء القفص الحديدي يطل علي بعينين ضيقتين شبه مختنقتين كعيني حيوان محبوس، ولا زلت أذكر حركة يده حين رفعها إلى فوق وضرب بالختم الأسود كالمطرقة الحديدية على جواز سفري وتركني أمر.
لم أصدق أول الأمر أنه تركني أمر، وحركت قدمي ببطء إلى الأمام متصورة أنه سيمنعني. لكنه لم يمنعني، فخطوت الخطوة الثانية بحذر أقل ولم يمنعني، وغمرني الفرح كالدهشة فقفزت خارج حدود الوطن كأنما أولد من بطن أمي للمرة الثانية، وصفقت بيدي كالطفلة، وحركت قدمي فوق الأرض كأنما سأحلق في الجو، وجهي ناحية السماء وظهري تجاه الوطن، تأهبت للانطلاق والطيران، لكن شرطيا آخر استوقفني وفحص أوراقي، ثم تركني أمر مع المسافرين، وعلى سلم الطائرة استدرت خلفي، ظننت أن أحد رجال الشرطة يتبعني، وأنه في اللحظة الأخيرة سيمنعني، وتم إغلاق الأبواب وانسحاب السلم.
وتحركت الطائرة وأنا شاخصة إلى أبوابها كأنما ستفتح فجأة ليدخل شرطي يتجه نحوي.
Неизвестная страница