وفي الجهة الغربية من تلك الرحبة قبّة أخرى تعرف بقبّة الخزنة. وفي وسطها قبّة كذلك تسمّى بقبّة النوفرة، ويقال إنّها واقعة في منتصف المسافة بين إسلامبول ومكّة المكرمة. وفي الجهة الشرقية قبّة الساعة، وهي واقعة أمام قبة الخزنة، وفيها ساعة. ثمّ إن وراء الأعمدة من الناحية المقابلة للمسجد عدّة غرف خاصّة بالعلماء والطلبة. أمّا مآذن الجامع فثلاث: أوّلها مأذنة عيسى، وهي واقعة في الجهة الشرقية من المسجد، مثمّنة الشكل ونقشها من الصناعة العربية الدقيقة، ولها ثلاثة أدوار يصعد إليها
بنحو ١٨٧ درجة، وتنتهي بكرة عليها هلال. ومن فوقها يرى الإنسان منظرًا بهيجًا إذا هو أشرف منها على أبنية المدينة وقوس نصر جميل بين البساتين والمزارع. ويعجبني تشبيه بعض من شاهد ذلك المنظر بأنه قطعة من الصخر الرمادي في إطار من الزمرّد الأخضر الشهي. ثمّ إن هذا المأذنة تزيد في الارتفاع عن قبّة الجامع بنيف ومائة قدم، والسيّاح يصعدون إليها ليروا ذلك المنظر العجيب. ولولا أنّ الزمن قليل والسفر طويل لكنت في عداد أولئك الصاعدين حتّى لا يفوتني أن أتمتّع به مثلهم. أمّا المأذنة الثانية، فهي في الجهة الجنوبية الشرقية، وتسمّى بمأذنة الساعة. وسبب هذه التسمية في ما يزعم الناس أنّ سيّدنا عيسى سينزل عليها عند قيام الساعة. وهاتان المأذنتان قديمتان جدًّا على ما يقال حتّى ذهب بعض المؤرّخين على أنّهما موجودتان منذ عهد الرومانيين واليونانيين. أمّا الثالثة، فقائمة في الجهة الشمالية، وتسمّى بمأذنة العروس. بناها الوليد على غاية ما يمكن من الإتقان والإبداع، وهي وإن كانت لا تبلغ في الطول مثل سابقتيها إلا أنّها تفوقهما حسنًا وجمالًا. وقد تغزّل فيها بعض الأدباء فقال:
قاسوا حَماة بجلّقٍ فَأَجبتُهم ... هَذا قِياسٌ فاسدٌ وَحياتكم
فَعروسُ جامع جلّق ما مِثلها ... شتّانَ بينَ عَروسِنا وَحَماتِكم
وأمّا أبوابه الخارجية فسبعة أكبرها في جهة الشرق.
1 / 76