على عدّة مذاهب. وهو صاحب مجلّة الجوائب المعروفة، وله غيرها كثير من التآليف النافعة، منها: الجاسوس على القاموس في فن اللغة، وكتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق، وهو كتاب جميل ضخم في علم الأدب. ثمّ قصدنا إلى الفندق من داخل البلد حيث كنّا في وقت الغروب، وعلى ذلك اِنقضت سحابة اليوم. وفي صبيحة اليوم الثاني جاء إلينا جماعة من أهل بيروت ومعهم خيل اِختاروها بقصد أن يطلعونا عليها على أمل أن نبتاعها منهم، حيث كانوا قد سمعوا من قبل بميلي إلى اِقتناء جياد الخيل. وقد كنت أودّ أن أجد منها ما يعجبني فأشتريه، ولكنّها مع مزيد الأسف كانت عاديّة لا تمتاز عن غيرها بحال، فضلًا عن كونها مجهولة الأصل.
ولذلك لم يرق في نظري شيء منها، على خلاف ما كنت أحسب.
وكان عليّ بعض زيارات لعلية القوم في المدينة، فأرسلت أحد الحاشية وأرسلت معه جملة من بطاقات الزيارة لينوب عنّي في ذلك، إذ كان لا يمكنني أن أؤدّي هذا الواجب. وقد حضر لزيارتنا في الفندق حينذاك عدد جمّ من أهل الشام، وكان من بينهم جملة من حضرات الرؤساء الروحيّين. ثمّ حضر أيضًا أحد أصحابنا (البلوني المسكوفي كونت برانتيسبيسكي) أحد عظماء بلاد الروسيا وأغنيائها وأشهر غواة الخيل العربية فيها. وكان قد جاء إلى الأقطار الشامية هذه المرّة لغرضين: أحدهما زيارة بيت المقدس، والثاني البحث عن الخيل العربية الأصلية. وقد أخبرني جنابه في ضمن حديثه أنّه لم يجد من بين الخيل الشاميّة والعربية الّتي اِطّلع عليها في تلك السياحة ما كان يستوجب العناية أو يستحق الشراء. ولذلك عدل عن الغرض الأخير الّذي وفقت الصدفة بيننا وبينه فيه. وقد كنت مسرورًا من حديث هذا الشيخ الكبير ومجلسه. وليست هذه أوّل مرّة اِجتمعت فيها بجنابه، لأنّي كنت عرفته قبل هذه الزيارة في مصر، وآنست منه نفسًا عالية وطبعًا رقيقًا وكمالًا وأدبًا. وما أجدر الشيخ الهرم أن يكون متحليًا بالآداب ومتجمّلًا بالفضائل. وإن صاحبنا هذا كان قد طالع الثمانين وولاها ذنبًا، ثمّ إنّه قضى معظم هذا العمر الطويل في سياحة الممالك والبلاد طولًا وعرضًا، فاِستفاد معرفة كثير من الأمراء والعظماء، كما استفاد خبرة واسعة بمعرفة الأخلاق والعوائد القوميّة المختلفة. وكان قد زار مصر مع والده على عهد المرحوم محمد علي باشا الكبير، واِصطادا تمساحًا من بركة الأزبكية، قبل أن يصل
1 / 44