فخرج لاِستقبالنا في الحال، وسار بنا إلى البهو الكبير حيث جلسنا هناك وقتًا نتحدّث بعد أن قدّم لنا دولة الباشا الوالي جملة من كبار الموظّفين في دائرة الحكومة. وقد تناول حديثنا مع دولته عدّة مواضع أذكر أنّي
سألته في خلالها عمّا إذا كان يحسن بمثلي أن يطوف على بعض جهات المدينة ليرى آثارها وعجائبها، وأن يختلط في هذه البلاد ببعض القوم إذا هو أراد أن يجاملهم بردّ زيارة أو إجابة دعوة أو ما يشبه ذلك ممّا قد يحصل عادة بين الضيف والمحلي. على أنّي ما قصدت من رحلتي إلى بلاد سوريا سوى تبديل الهواء والتنزّه طلبًا للصحّة والوقوف على آثار الشام وغرائبها لكي أضمّ ما أعرفه منها إلى ما سبق لي أن عرفته من البلاد الأخرى، وأنّي أخشى إذا أنا فعلت شيئًا ممّا ذكرته أن تتشوّش الحكومة العثمانية منه أو أن ينالنا من قبلها شيء. وقد بادرني دولته بأنّي أكون مطلق السبيل في سياحتي وأن ليس عليّ حرج أن أزور من النّاس من أحب وأن أتجوّل من جهات المدينة وضواحيها فيما أريد. وحينئذٍ تبادلنا عبارات الشكر والثناء. أمّا دولة ناظم باشا فقد رأينا منه في ذلك المجلس الصغير رجلًا رشيد السياسة سديد الرأي غاية في الذكاء والفطنة وديع النفس ليّن العريكة، لا يشكّ محدّثه في أنّه تربّى في حجر الفضيلة تربية صحيحة، واِستفاد من اِحتكاكه بسياسة الشعوب وتقلّبه الكثير في أرقى مناصب الحكومة خبرة واسعة وعلمًا غزيرًا. وبالجملة فإنّه من أعظم رجال الحكومة العثمانية كفاءة واِستعدادًا لإدارة شؤون البلاد وسياسة الرعيّة. ثمّ إنّنا وجدنا في تلك السراي من كثرة المستخدمين والزائرين ما كان يدلّ على شدّة الحركة وتواصل العمل.
زيارة متصرّف جبل لبنان
بعدما انقضت زيارتنا لدولة الوالي توجّهنا مودّعين من دولته بكلّ حفاوة إلى دار صاحب الدولة يوسف باشا متصرّف لبنان. وهي مكان جميل المنظر قائم على مرتفع من الأرض في بقعة من بيروت تعرف بالروميلي. وهناك توجد أيضًا مساكن قناصل الدول وسراة المسيحيين وأعيانهم. فاستقبلنا عند مدخل السراي بفرقة من العساكر ومعها موسيقاها. وقد أعجبت كثيرًا بارتداء هؤلاء الجند السلط
والسراويل وبأنّهم
1 / 35